قيام الليل

وفي هذا الاستدلال نظر، لان القنوت المسؤول عنه هو قنوت النوازل كما جاء ذلك صريحا في رواية البخاري ومسلم.
وأما الحديث الثاني ففي سنده أبو جعفر الرازي وهو ليس بالقوي، وحديثه هذا لا ينهض للاحتجاج به، إذ لا يعقل أن يقنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفجر طول حياته ثم يتركه الخلفاء من بعده، بل إن أنسا نفسه لم يكن يقنت في الصبح كما ثبت ذلك عنه، ولو سلم صحة الحديث فيحمل القنوت المذكور فيه على أنه صلى الله عليه وسلم كان يطيل القيام بعد الركوع للدعاء والثناء إلى أن فارق الدنيا، فإن هذا معنى من معاني القنوت وهو هنا أنسب.
ومهما يكن من شئ فإن هذا من الاختلاف المباح الذي يستوي فيه الفعل والترك وإن خير الهدي محمد صلى الله عليه وسلم.

قيام الليل:
(1) فضله:
1 - أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) .
وهذا الامر وإن كان خاصا برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن عامة
المسلمين يدخلون فيه بحكم أنهم مطالبون بالاقتاء به صلى الله عليه وسلم.
2 - بين أن المحافظين على قيامه هم المحسنون المستحقون لخيره ورحمته فقال: (إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين، كانوا قليلا من الليل ما يهجعون، وبالاسحار هم يستغفرون) .
3 - ومدحهم وأثنى عليهم ونظمهم في جملة عباده الابرار فقال: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هونا، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما) .
4 - وشهد لهم بالايمان بآياته فقال: (إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا

(1) يهجعون: أي ينامون.

ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون، تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون، فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) .
5 - ونفى التسوية بينهم وبين غيرهم ممن لم يتصف بوصفهم فقال: (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الاخرة ويرجو رحمة ربه.
قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولو الالباب) .
هذا بعض ما جاء في كتاب الله، أما ما جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهاك بعضه:
1 - قال عبد الله بن سلام: أول ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم
المدينة انجفل الناس إليه، فكنت ممن جاءه، فلما تأملت وجهه واستبنته عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب.
قال: فكان أول ما سمعت من كلامه أن قال: (أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الارحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام) رواه الحاكم وابن ماجه والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
2 - وقال سلمان الفارسي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، ومقربة لكن إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الاثم، ومطردة للداء عن الجسد) .
3 - وقال سهل بن سعد: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس) .
4 - وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ثلاثة يحبهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم: الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله عز وجل.
فإما أن يقتل وإما أن ينصره الله عز وجل ويكفيه فيقول: انظروا إلى

عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه.
والذي له امرأة حسنة وفراش لين حسن فيقوم من الليل فيقول: يذر شهوته ويذكرني، ولو شاء رقد.
والذي إذا كان في سفر وكان معه ركب فسهروا ثم هجعوا فقام من السحر في ضراء وسراء) .
(2) آدابه: يسن لمن أراد قيام الليل ما يأتي:
1 - أن ينوي عند نومه قيام الليل.
فعن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى فراشه وهو ينوي أن يقوم فيصلي من الليل فغلبته عينه حتى يصبح كتب له ما نوى، وكان نومه صدقة عليه من ربه) رواه النسائي وابن ماجه بسند صحيح.
2 - أن يمسح النوم عن وجهه عند الاستيقاظ ويتسوك وينظر في السماء ثم يدعو بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: (لا إله إلا أنت سبحانك، أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك، اللهم زدني علما ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور، ثم يقرأ الايات العشر من أواخر سورة آل عمران: (إن في خلق السموات والارض واختلاف الليل والنهار لايات لاولى الالباب) إلى آخر السورة ثم يقول: (اللهم لك الحمد، أنت نور السموات والارض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت قيم السموات والارض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد حق، والساعة حق. اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، ما أسررت وما أعلنت، أنت الله لا إله إلا أنت) .
3 - أن يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين ثم يصلي بعدهما ما شاء، فعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يصلي افتتح صلاته بركعتين خفيفتين.
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين) رواهما مسلم.

4 - أن يوقظ أهله.
فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(رحم الله امرء قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء، رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء) .
وعنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا أو صلى ركعتين جميعا كتب في الذاكرين والذاكرات) رواهما أبو داود وغيره بإسناد صحيح.
وعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ ليلة فقال: (سبحان الله، ماذا أنزل الليلة من الفتنة، ماذا أنزل من الخزائن، من يوقظ صواحب الحجرات، يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة) رواه البخاري.
عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرقه وفاطمة، فقال: (ألا تصليان؟) قال فقالت: يا رسول الله أنفسنا بيد الله.
فإن شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلت ذلك، ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه وهو يقول: (وكان الانسان أكثر شئ جدلا) متفق عليه.
5 - أن يترك الصلاة ويرقد إذا غلبه النعاس حتى يذهب عنه النوم، فعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول فليضطجع) رواه مسلم.
وقال أنس: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وحبل ممدود بين ساريتين فقال: (ما هذا؟) قالوا: لزينب تصلي، إذا كسلت أو فترت أمسكت به.
فقال: (حلوه، ليصل أحدكم نشاطه فإذا كسل أو فتر فليرقد) متفق عليه.
6 - أن لا يشق على نفسه بل يقوم من الليل بقدر ما تتسع له طاقته، ويواظب عليه ولا يتركه إلا لضرورة.
فعن عائشة قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خذوا من الاعمال ما تطيقون، فو الله لا يمل الله حتى تملوا) (1) رواه البخاري ومسلم.
ورويا عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال: (أدومه وإن قل) .
وروى مسلم عنها قالت: كان عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ديمة.
وكان إذا عمل عملا أثبته.
وعن عبد الله بن عمر

(1) معنى الحديث: أن الله لا يقطع الثواب حتى تقطعوا العبادة.

قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل) متفق عليه.
ورويا عن ابن مسعود قال: (ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام حتى أصبح قال: (ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه) أو قال (في أذنه) ورويا عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابيه: (نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل) قال سالم: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلا.
(3) وقته: صلاة الليل تجوز في أول الليل ووسطه وآخره ما دامت الصلاة بعد صلاة العشاء.
قال أنس رضي الله عنه في وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما كنا نشاء أن نراه من الليل مصليا إلا رأيناه، وما كنا نشاء أن نراه نائما إلا رأيناه، وكان يصوم من الشهر حتى نقول لا يفطر منه شيئا ويفطر حتى نقول لا يصوم منه شيئا.
رواه أحمد والبخاري والنسائي.
قال الحافظ: لم يكن لتهجده صلى الله عليه وسلم وقت معين بل بحسب ما يتيسر له القيام.
(4) أفضل أوقاتها: الافضل تأخيرها إلى الثلث الاخير:
1 - فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخر
فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فعطيه، من يستغفرني فأغفر له) رواه الجماعة.
2 - وعن عمرو بن عبسة قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أقرب ما يكون العبد من الرب في جوف الليل الاخير فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن) رواه الحاكم وقال: على شرط مسلم والترمذي وقال: حسن صحيح، ورواه أيضا النسائي وابن خزيمة.
3 - وقال أبو مسلم لابي ذر: أي قيام الليل أفضل؟ قال سألت رسول

الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال: (جوف الليل الغابر (1) وقليل فاعله) رواه أحمد بإسناد جيد.
4 - وعن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحب الصيام إلى الله صيام داود، وأحب الصلاة إلى الله صلاة داود: كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه، وكان يصوم يوما ويفطر يوما) رواه الجماعة إلا الترمذي.

(5) عدد ركعاته: ليس لصلاة الليل عدد مخصوص ولا حد معين، فهي تتحقق ولو بركعة الوتر بعد صلاة العشاء.
1 - فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي من الليل ما قل أو كثر ونجعل آخر ذلك وترا.
رواه الطبراني والبزار.
2 - وروى عن أنس رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة في مسجدي تعدل بعشرة آلاف صلاة، وصلاة في المسجد الحرام تعدل بمائة ألف صلاة. والصلاة بأرض الرباط (2) تعدل بألفي ألف صلاة، وأكثر من ذلك كله الركعتان يصليهما العبد في جوف الليل) رواه أبو الشيخ وابن حبان في كتابه (الثواب) وسكت عليه المنذري في (الترغيب والترهيب) .
3 - وعن إياس بن معاوية المزني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا بد من صلاة بليل ولو حلب (3) شاة، وما كان بعد صلاة العشاء فهو من الليل) رواه الطبراني ورواته ثقات إلا محمد بن إسحق.
4 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ذكرت قيام الليل فقال بعضهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (نصفه، ثلثه، ربعه،

(1) الغابر: الباقي أو نصف الليل.
(2) المكان الذي ينتظر فيه المجاهدون.
(3) أي قدر الوقت الذي تحلب الشاة فيه.

فواق (1) حلب ناقة، فواق حلب شاة) .
5 - وروى عنه أيضا قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاة الليل ورغب فيها حتى قال: (عليكم بصلاة الليل ولو ركعة) رواه الطبراني في الكبير والاوسط.
والافضل المواظبة على إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة، وهو مخير بين أن يصليها وبين أن يقطعها.
قالت عائشة رضي الله عنها: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا غيره عن إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا، فقلت: يا رسول الله أتنام قبل أن
توتر؟ فقال: (يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي) رواه البخاري ومسلم.
ورويا أيضا عن القاسم بن محمد قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل عشر ركعات ويوتر بسجدة.
(6) قضاء قيام الليل: روى مسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فاتته الصلاة من الليل من وجع أو غيره صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة.
وروى الجماعة إلا البخاري عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نام عن حزبه أو عن شئ منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب كأنما قرأه من الليل) .

قيام رمضان
(1) مشروعية قيام رمضان: قيام رمضان أو صلاة التراويح (2) سنة الرجل والنساء (3) تؤدى بعد

(1) قال المنذري: الفواق هنا: قدر ما بين رفع يديك عن الضرع وقت الحلب وضمهما.
(2) جمع ترويحة، تطلق في الاصل على الاستراحة كل أربع ركعات ثم أطلقت على كل أربع ركعات.
(3) عن عرفجة قال: كان علي يأمر بقيام رمضان ويجعل للرجال إماما وللنساء إماما، فكنت أنا إمام النساء

صلاة العشاء، وقبل الوتر ركعتين ركعتين، ويجوز أن تؤدى بعده ولكنه خلاف الافضل، ويستمر وقتها إلى آخر الليل.
روى الجماعة عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر فيه بعزيمة، فيقول: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا (1) غفر له ما تقدم من ذنبه) ورووا إلا الترمذي عن عائشة قالت: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد فصلى بصلاته ناس كثير ثم صلى من القابلة فكثروا، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة فلم يخرج إليهم، فلما أصبح قال: (قد رأيت صنيعكم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم) وذلك في رمضان.
(2) عدد ركعاته: روى الجماعة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة.
وروى ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما عن جابر: أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم ثماني ركعات والوتر، ثم انتظروه في القابلة فلم يخرج إليهم.
وروى أبو يعلى والطبراني بسند حسن عنه قال: جاء أبي بن كعب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنه كان مني الليلة شئ، يعني في رمضان، قال: (وما ذاك يا أبي؟) قال: نسوة في داري قلن: إنا لا نقرأ القرآن فنصلي بصلاتك؟ فصليت بهن ثماني ركعات وأوترت، فكانت سنة الرضا ولم يقل شيئا. هـ
ذا هو المسنون الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يصح عنه شئ غير ذلك، وصح أن الناس كانوا يصلون على عهد عمر وعثمان وعلي عشرين ركعة، وهو رأي جمهور الفقهاء من الحنفية والحنابلة وداود، قال الترمذي: وأكثر أهل العلم على ما روي عن عمر وعلي وغيرهما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عشرين ركعة، وهو قول الثوري وابن المبارك والشافعي، وقال: هكذا أدركت الناس بمكة يصلون عشرين ركعة (2)
قال الزرقاني: وذكر ابن حبان أن التراويح كانت أولا إحدى عشرة ركعة، وكانوا يطيلون القراءة فثقل عليهم فخففوا القراءة وزادوا في عدد الركعات فكانوا يصلون عشرين ركعة غير الشفع والوتر بقراءة متوسطة، ثم خففوا القراءة وجعلوا الركعات ستا وثلاثين غير الشفع والوتر، ومضى الامر على ذلك.

(1) إيمانا: تصديقا. واحتسابا: يريد به وجه الله.
(2) وذهب مالك الى أن عددها ست وثلاثون ركعة غير الوتر.

ويرى بعض العلماء أن المسنون إحدى عشرة ركعة بالوتر والباقي مستحب.
قال الكمال ابن الهمام: الدليل يقتضي أن تكون السنة من العشرين ما فعله صلى الله عليه وسلم ثم تركه خشية أن يكتب علينا، والباقي مستحب.
وقد ثبت أن ذلك كان إحدى عشرة ركعة بالوتر كما في الصحيحين، فإذن يكون المسنون على أصول مشايخنا ثمانية منها والمستحب اثنى عشرة.
(3) الجماعة فيه: قيام رمضان يجوز أن يصلى في جماعة كما يجوز أن يصلى على انفراد، ولكن صلاته جماعة في المسجد أفضل عند الجمهور.
وقد تقدم ما يفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بالمسلمين جماعة ولم يداوم على الخروج خشية أن يفرض عليهم ثم كان أن جمعهم عمر على إمام.
قال عبد الرحمن ابن عبد القاري: خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط.
فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل (1) ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، ثم خرجت معه في ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر: نعمت البدعة هذه (2) والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون، يريد آخر الليل (3) .
وكان الناس يقومون أوله.
رواه البخاري وابن خزيمة والبيهقي وغيرهم.
(4) القراءة فيه: ليس في القراءة في قيام رمضان شئ مسنون، وورد عن السلف أنهم كانوا يقومون المائتين ويعتمدون على العصي من طوم القيام، ولا ينصرفون إلا قبيل بزوغ الفجر فيستعجلون الخدم بالطعام مخافة أن يطلع عليهم.
وكانوا يقومون بسورة البقرة في ثمان ركعات فإذا قرئ بها في اثنتي عشرة ركعة عد ذلك تخفيفا.

(1) أمثل: أي أفضل.
(2) أي: جمعهم على إمام واحد.
(3) أي: أن صلاتها آخر الليل أفضل.