التطوع

التطوع:
(1) مشروعيته:
شرع التطوع ليكون جبرا لما عسى أن يكون قد وقع في الفرائض من نقص، ولما في الصلاة من فضيلة ليست لسائر العبادات.
فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة، يقول ربنا لملائكته، وهو أعلم أنظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئا قال: أنظروا هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه، ثم تؤخذ الاعمال على ذلك) رواه أبو داود.
وعن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما أذن الله لعبد في شئ أفضل من ركعتين يصليهما، وإن البر ليذر (1) فوق رأس العبد مادام في صلاته) الحديث رواه أحمد والترمذي وصححه السيوطي.
وقال مالك في الموطأ، بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن) وروى مسلم عن ربيعة ابن مالك الاسلمي قال، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (سل) فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: (أو غير ذلك؟) قلت: هو ذاك قال: (فأعني على نفسك بكثرة السجود) .
(2) استحباب صلاته في البيت:
1 - روى أحمد ومسلم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا صلى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من صلاته فإن الله عز وجل جاعل في بيته من صلاته خيرا.
2 - وعند أحمد عن عمر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة

صلاة غير واجبة، والمراد بها السنة أو النفل.
(1) أي ينثر.

الرجل في بيته تطوعا نور، فمن شاء نور بيته) .
3 - وعن عبد الرحمن بن عمر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتخذوا قبورا (1)) رواه أحمد وأبو داود.
4 - روى أبو داود بإسناد صحيح عن زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا، إلا المكتوبة) .
وفي هذه الاحاديث دليل على استحباب صلاة التطوع في البيت، وأن صلاته فيه أفضل من صلاته في المسجد.
قال النووي: إنما حث على النافلة في البيت لكونه أخفى وأبعد عن الرياء وأصون من محبطات الاعمال، وليتبرك البيت بذلك وتنزل فيه الرحمة والملائكة، وينفر منه الشيطان.
(3) أفضلية طول القيام على كثرة السجود في التطوع: روى الجماعة إلا أبا داود عن المغيرة بن شعبة أنه قال: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقوم ويصلي حتى ترم قدماه أو ساقاه، فقال له؟ فيقول: (أفلا أكون عبدا شكورا) .
وروى أبو داود عن عبد الله بن حبشي الخثعمي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الاعمال أفضل؟ قال: (طول القيام) قيل: فأي الصدقة أفضل؟ قال: (جهد المقل) قيل: فأي الهجرة أفضل؟ قال: (من هجر ما حرم الله عليه) قيل: فأي الجهاد أفضل؟ قال: (من جاهد المشركين بماله ونفسه) قيل: فأي القتل أشرف؟ قال: (من أهريق دمه وعقر جواده) .
(4) جواز صلاة التطوع من جلوس: يصح التطوع من قعود مع القدرة على القيام كما يصح أداء بعضه من قعود وبعضه من قيام، لو كان ذلك في ركعة واحدة فبعضها يؤدى من قيام وبعضها من قعود سواء تقديم القيام أو تأخر كل ذلك جائز من غير كراهة

(1) لانه ليس في القبور صلاة.

ويجلس كيف شاء والافضل التربع.
فقد روى مسلم عن علقمة قال قلت لعائشة: كيف كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعتين وهو
جالس؟ قال كان يقرأ فيهما فإذا أراد أن يركع قام فركع.
وروى أحمد وأصحاب السنن عنهما قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في شئ من صلاة الليل جالسا قط حتى دخل في السن (1) فكان يجلس فيها فيقرأ حتى إذا بقي أربعون أو ثلاثون آية قام فقرأها ثم سجد.
(5) أقسام التطوع: ينقسم التطوع إلى تطوع مطلق، وإلى تطوع مقيد.
والتطوع المطلق يقتصر فيه على نية الصلاة.
قال النووي: فإذا شرع في تطوع ولم ينو عددا فله أن يسلم من ركعة وله أن يزيد فيجعلها ركعتين أو ثلاثا أو مائة أو ألفا أو غير ذلك.
ولو صلى عددا لا يعلمه ثم سلم صح بلا خلاف، اتفق عليه أصحابنا ونص عليه الشافعي في الاملاء.
وروى البيهقي بإسناده أن أبا ذر رضي الله عنه صلى عددا كثيرا فلما سلم قال له الاحنف بن قيس رحمه الله: هل تدري انصرفت على شفع أم على وتر؟ قال: إن لا أكن أدري فإن الله يدري، إني سمعت خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول ثم بكى.
ثم قال: إني سمعت خليلي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة) رواه الدارمي في مسنده بسند صحيح إلا رجلا اختلفوا في عدالته.
والتطوع المقيد ينقسم إلى ما شرع تبعا للفرائض ويسمي السنن الراتبة، ويشمل سنة الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء، وإلى غيره، وهاك بيان كل:

سنة الفجر
(1) فضلها:
وردت عدة أحاديث في فضل المحافظة على سنة الفجر نذكرها فيما يلي:

(1) أي كبر.

1 - عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، في الركعتين قبل صلاة الفجر، قال: (هما أحب إلي من الدنيا جميعا) رواه أحمد ومسلم والترمذي.
2 - وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدعوا ركعتي الفجر وإن طردتكم الخيل) رواه أحمد وأبو داود والبيهقي والطحاوي.
ومعنى الحديث لا تتركوا ركعتي الفجر مهما اشتد العذر حتى ولو كان مطاردة العدو.
3 - وعن عائشة قالت: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم على شئ من النوافل أشد معاهدة (1) من الركعتين قبل الصبح) .
رواه الشيخان وأحمد وأبو داود.
4 - وعنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها) رواه أحمد ومسلم والترمذي والنسائي.
5 - ولاحمد ومسلم عنها، قالت: ما رأيته إلى شئ من الخير أسرع منه إلى الركعتين قبل الفجر.
(2) تخفيفها: المعروف من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخفف القراءة في ركعتي الفجر.
1 - فعن حفصة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر قبل الصبح في بيتي يخففهما جدا.
قال نافع: وكان عبد الله
(يعني ابن عمر) يخففهما كذلك.
رواه أحمد والشيخان.
2 - وعن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الركعتين قبل الغداة فيخففهما حتى إني لاشك أقرأ فيهما بفاتحة الكتاب أم لا؟ رواه أحمد وغيره.
3 - وعنها قالت: كان قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعتين

(1) معاهدة: مواظبة.
(2) (ولتستشفر) : أي تشد خرقة على فرجها.

قبل صلاة الفجر قدر ما يقرأ فاتحة الكتاب: رواه أحمد والنسائي والبيهقي ومالك والطحاوي.
(3) ما يقرأ فيها: يستحب القراءة في ركعتي الفجر بالوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ورد عنه فيها ما يأتي:
1 - عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي الفجر: (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) وكان يسر بها.
رواه أحمد والطحاوي.
وكان يقرأهما بعد الفاتحة، لانه لا صلاة بدونها كما تقدم.
2 - وعنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (نعم السورتان هما) وكان يقرأ بهما في الركعتين قبل الفجر (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) . رواه أحمد وابن ماجه.
3 - وعن جابر أن رجلا قام فركع ركعتي الفجر فقرأ في الاولى: (قل يا أيها الكافرون) حتى انقضت السورة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هذا عبد عرف ربه) وقرأ في الاخرة: (هذا عبد آمن بربه) قال طلحة: فأنا أحب أن أقرأ بهاتين السورتين في هاتين الركعتين، رواه ابن حبان والطحاوي.
4 - وعن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ فيركعتي الفجر (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا) والتي في آل عمران (تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم) رواه مسلم.
أي أنه كان يقرأ في الركعة الاولى بعد الفاتحة هذه الاية: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والاسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون) وفي الركعة الثانية (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله، ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من

دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) .
5 - وعنه في رواية أبي داود أنه كان يقرأ في الركعة الاولى (قولوا آمنا بالله) وفي الثانية (فلما أحس عيسى منهم الكفر قال: من أنصاري إلى الله؟ قال الحواريون: نحن أنصار الله، آمنا بالله، وأشهد بأنا مسلمون) .
6 - ويجوز الاقتصار على الفاتحة وحدها، لما تقدم عن عائشة أن قيامه كان قدر ما يقرأ فاتحة الكتاب.
(4) الدعاء بعد الفراغ منها: قال النووي في الاذكار: روينا في كتاب ابن السني عن أبي المليح واسمه عامر بن أسامة عن أبيه أنه صلى ركعتي الفجر وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى قريبا منه ركعتين خفيفتين ثم سمعه يقول وهو جالس: (اللهم رب جبريل وإسرافيل وميكائيل ومحمد النبي صلى الله عليه وسلم أعوذ بك من النار) ثلاث مرات وروينا فيه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من
قال صبيحة يوم الجمعة قبل صلاة الغداة: استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ثلاث مرات غفر الله تعالى ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر) .
(5) الاضطجاع بعدها: قالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع ركعتي الفجر اضطجع على شقه الايمن. رواه الجماعة.
ورووا أيضا عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت نائمة اضطجع وإن كنت مستيقظة حدثني.
وقد اختلف في حكمه اختلافا كثيرا، والذي يظهر أنه مستحب في حق من صلى السنة في بيته دون من صلاها في المسجد.
قال الحافظ: في الفتح: وذهب بعض السلف إلى استحبابها في البيت دون المسجد وهو محكي عن ابن عمر، وقواه بعض شيوخنا بأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله في المسجد.
وصح عن ابن عمر أنه كان يحصب من يفعله في المسجد. أخرجه ابن أبي شيبة.
انتهى وسئل عنه الامام أحمد فقال: ما أفعله، وإن فعله رجل فحسن.

(6) قضاؤها: عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يصل ركعتي الفجر حتى تطلع الشمس فليصلها) رواه البيهقي، قال النووي: وإسناده جيد.
وعن قيس بن عمر أنه خرج إلى الصبح فوجد النبي صلى الله عليه وسلم في الصبح، ولم يكن ركع ركعتي الفجر، فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام حين فرغ من الصبح فركع ركعتي الفجر فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ما هذه الصلاة؟) فأخبره، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا.
رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان وأصحاب السنن إلا النسائي.
قال العراقي: إسناده حسن.
وروى أحمد والشيخان عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في مسير له فناموا عن صلاة الفجر فاستيقظوا بحر الشمس فارتفعوا قليلا حتى استقلت الشمس (1) ثم أمر مؤذنا فأذن. فصلى ركعتين قبل الفجر، ثم أقام ثم صلى الفجر.
وظاهر الاحاديث أنها تقضى قبل طلوع الشمس وبعد طلوعها، سواء كان فواتها لعذر أو لغير عذر وسواء فاتت وحدها أو مع الصبح.
سنة الظهر:
ورد في سنة الظهر أنها أربع ركعات أو ست أو ثمان، وإليك بيانها مفصلا: ما ورد في أنها أربع ركعات: 1 - عن ابن عمر قال: حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب في بيته، وركعتين بعد العشاء في بيته، وركعتين قبل صلاة الصبح.
رواه البخاري.
2 - وعن المغيرة بن سليمان قال: سمعت ابن عمر يقول: كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يدع ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل الصبح.
رواه أحمد بسند جيد.

(1) أي تحولوا حتى ارتفعت الشمس.

ما ورد في أنها ست:
1 - عن عبد الله بن شقيق قال: سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان يصلي قبل الظهر أربعا واثنتين بعدها.
رواه أحمد
ومسلم وغيرهما.
2 - وعن أم حبيبة بنت أبي سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة بني له بيت في الجنة: أربعا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر) رواه الترمذي وقال حسن صحيح، ورواه مسلم مختصرا.
ما ورد في أنها ثمان ركعات:
1 - عن أم حبيبة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى أربعا قبل الظهر وأربعا بعدها حرم الله لحمه على النار، رواه أحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي.
2 - عن أبي أيوب الانصاري: (أنه كان يصلي أربع ركعات قبل الظهر، فقيل له: إنك تديم هذه الصلاة فقال: إني رأيت رسول الله يفعله، فسألته فقال: (إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء، فأحببت أن يرفع لي فيها عمل صالح) رواه أحمد وسنده جيد.
فضل الاربع قبل الظهر:
1 - عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع أربعا قبل الظهر وركعتين قبل الفجر على كل حال. رواه أحمد والبخاري.
وروى عنها أنه كان يصلي قبل الظهر أربعا يطيل فيهن القيام ويحسن فيهن الركوع والسجود.
ولا تعارض بين ما في حديث ابن عمر من أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبين باقي الاحاديث الاخرى من أنه كان يصلي أربعا.
قال الحافظ في الفتح: والاولى أن يحمل على حالين فكان تارة يصلي اثنتين وتارة يصلي أربعا.
وقيل: هو محمول على أنه كان في المسجد يقتصر على ركعتين وفي بيته يصلي أربعا، ويحتمل أنه كان يصلي إذا كان في بيته
ركعتين ثم يخرج إلى المسجد فيصلي ركعتين فرأى ابن عمر ما في المسجد دون

ما في بيته واطلعت عائشة على الامرين.
ويقوي الاول ما رواه أحمد وأبو داود في حديث عائشة كان يصلي في بيته قبل الظهر أربعا ثم يخرج، قال أبو جعفر الطبري: الاربع كانت في كثير من أحواله والركعتان في قليلها.
وإذا صلى أربعا قبلها أو بعدها الافضل أن يسلم بعد كل ركعتين، ويجوز أن يصليها متصلة بتسليم واحد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل والنهار مثنى مثنى) رواه أبو داود بسند صحيح.
قضاء سنتي الظهر:
عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا لم يصل أربعا قبل الظهر صلاهن بعدها. رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.
وروى ابن ماجه عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فاتته الاربع قبل الظهر صلاهن بعد الركعتين بعد الظهر (1) .
هذا في قضاء الراتية القبلية أما قضاء الراتبة البعدية فقد جاء فيه ما رواه أحمد عن أم سلمة قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر، وقد أتي بمال، فقعد يقسمه حتى أتاه المؤذن بالعصر، فصلى العصر ثم انصرف إلي، وكان يومي، فركع ركعتين خفيفتين، فقلنا: ما هاتان الركعتان يا رسول الله، أمرت بهما؟ قال: (لا..ولكنهما ركعتان كنت أركعهما بعد الظهر فشغلني قسم هذا المال حتى جاء المؤذن بالعصر فكرهت أن أدعهما (2)) رواه البخاري ومسلم وأبو داود بلفظ آخر.
سنة المغرب:
يسن بعد صلاة المغرب صلاة ركعتين لما تقدم عن ابن عمر أنهما من الصلاة التي لم يكن يدعها النبي صلى الله عليه وسلم.

(1) السنن القبلية يمتد وقتها إلى آخر وقت الفريضة.
(2) في بعض الروايات فقلت: يا رسول الله أتمضيهما إذا فاتا؟ قال: (لا) قال البيهقي: هي رواية ضعيفة.

ما يستحب فيها: يستحب في سنة المغرب أن يقرأ فيها بعد الفاتحة ب (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) .
فعن ابن مسعود أنه قال: ما أحصي ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين بعد المغرب وفي الركعتين قبل الفجر ب (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) رواه ابن ماجه والترمذي وحسنه.
وكذا يستحب أن تؤدى في البيت.
فعن محمود بن لبيد قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد الاشهل فصلى بهم المغرب، فلما سلم قال (اركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم) .
رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي.
وتقدم أنه صلى الله عليه وسلم كان يصليهما في بيته.
سنة العشاء:
تقدم من الاحاديث ما يدل على سنية الركعتين بعد العشاء.
السنن غير المؤكدة ما تقدم من السنن والرواتب يتأكد أداؤه وبقيت سنن أخرى راتبة يندب الاتيان بها من غير تأكيد، نذكرها فيما يلي: (1) ركعتان أو أربع قبل العصر: وقد ورد فيها عدة أحاديث متكلم فيها ولكن لكثرة طرقها يؤيد بعضها بعضا، فمنها حديث ابن عمر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا) رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وابن حبان وصححه، وكذا صححه ابن خزيمة.
ومنها حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل العصر أربعا يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين. رواه أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي وحسنه.
وأما الاقتصار على ركعتين فقط فدليله عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (بين كل أذانين صلاة) .

(2) ركعتان قبل المغرب: روى البخاري عن عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب) ثم قال في الثالثة: (لمن شاء) كراهية أن يتخذها الناس سنة.
وفي رواية لابن حبان: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين.
وفي مسلم عن ابن عباس قال: كنا نصلي ركعتين قبل غروب الشمس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرانا فلم يأمرنا ولم ينهنا.
قال الحافظ في الفتح: ومجموع الادلة يرشد إلى استحباب تخفيفها كما في ركعتي الفجر.
(3) ركعتان قبل العشاء: لما رواه الجماعة من حديث عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بين كل أذانين صلاة، بين كل أذانين صلاة) ثم قال في الثالثة: (لمن شاء) .
ولابن حبان من حديث ابن الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان) .
استحباب الفصل بين الفريضة والنافلة بمقدار ختم الصلاة: عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر فقام رجل يصلي فرآه عمر فقال له اجلس فإنما هلك أهل الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فصل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أحسن ابن الخطاب) رواه أحمد بسند صحيح.

الوتر:
(1) فضله وحكمه: الوتر سنة مؤكدة حث عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ورغب فيه.
فعن علي رضي الله عنه أنه قال: إن الوتر ليس بحتم (1) كصلاتكم المكتوبة، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتر، ثم قال: (يا أهل القرآن أوتروا فإن الله وتر (2) يحب الوتر)
قال نافع: وكان ابن عمر لا يصنع شيئا إلا وترا.

(1) حتم: أي لازم.
(2) أي أنه تعالى واحد يحب صلاة الوتر ويثيب عليها.

رواه أحمد وأصحاب السنن وحسنه الترمذي ورواه الحاكم أيضا وصححه.
وما ذهب إليه أبو حنيفة من وجوب الوتر فمذهب ضعيف.
قال ابن المنذر: لا أعلم أحدا وافق أبا حنيفة في هذا.
وعند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه أن المخدجي (رجل من بني كنانة) أخبره رجل من الانصار يكنى أبا محمد أن الوتر واجب، فراح المخدجي إلى عبادة بن الصامت فذكر له أن أبا محمد يقول: الوتر واجب.
فقال عبادة بن الصامت: كذب أبو محمد (1) سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (خمس صلوات كتبهن الله تبارك وتعالى على العباد من أتى بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله تبارك وتعالى عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له) وعند البخاري ومسلم من حديث طلحة بن عبيد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال صلى الله عليه وسلم: (خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة) فقال الاعرابي: هل علي غيرها؟ قال: (لا. إلا أن تطوع) .
(2) وقته: أجمع العلماء على أن وقت الوتر لا يدخل إلا بعد صلاة العشاء وأنه يمتد إلى الفجر.
فعن أبي تميم الجيشاني رضي الله عنه أن عمرو بن العاص خطب الناس يوم جمعة فقال: إن أبا بصرة حدثني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله زادكم صلاة، وهي الوتر فصلوها فيما بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر) قال أبو تميم: فأخذ بيدي أبو ذر فسار في المسجد إلى أبي بصرة رضي الله عنه فقال: أنت سمعت رسول الله يقول ما قال عمرو؟ قال أبو بصرة: أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه أحمد بإسناد صحيح.
وعن أبي مسعود الانصاري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر أول الليل وأوسطه وآخره. رواه أحمد بسند صحيح.
وعن عبد الله بن أبي قيس قال سألت عائشة رضي الله عنها عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ربما أوتر أول الليل وربما أوتر من آخره، قلت: كيف كانت قراءته، أكان يسر

(1) كذب أبو محمد: أي أخطأ.

بالقراءة أم يجهر؟ قالت: كل ذلك كان يفعل، وربما أسر وربما جهر، وربما اغتسل فنام وربما توضأ فنام (تعني في الجنابة) رواه أبو داود.
ورواه أيضا أحمد ومسلم والترمذي.
(3) استحباب تعجيله لمن ظن أنه لا يستيقظ آخر الليل، وتأخيره لمن ظن أنه يستيقظ آخره: يستحب تعجيل الصلاة الوتر أول الليل لمن خشي أن لا يستيقظ آخره، كما يستحب تأخيره إلى آخر الليل لمن ظن أنه يستيقظ آخره.
فعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ظن منكم أن لا يستيقظ آخره (أي الليل) فليوتر أوله ومن ظن منكم أنه يستيقظ آخره فليوتر آخره فإن صلاة آخر الليل محضورة (1) وهي أفضل) رواه أحمد ومسلم والترمذي وابن ماجه.
وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابي بكر: (متى توتر؟) . قال: أول الليل بعد العتمة (2) قال: (فأنت يا عمر) قال: آخر الليل.
قال (أما أنت يا أبا بكر فأخذت بالثقة (3) وأما أنت يا عمر فأخذت بالقوة) (4) رواه أحمد وأبو داود والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم.
وانتهى الامر برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أنه كان يوتر وقت السحر لانه الافضل كما تقدم.
قالت عائشة رضي الله عنها: من كل الليل قد أوتر النبي صلى الله عليه وسلم من أول الليل وأوسطه وآخره فانتهى وتره إلى السحر.
رواه الجماعة.
ومع هذا فقد وصى بعض أصحابه بألا ينام إلا على وتر أخذا بالحيطة والحزم.
وكان سعد بن أبي وقاص يصلي العشاء الاخرة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يوتر بواحدة ولا يزيد عليها.
فقيل له: أتوتر بواحدة لا تزيد عليها يا أبا اسحق؟ قال: نعم..إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الذي لا ينام حتى يوتر حازم) رواه أحمد ورجاله ثقات.

(1) أي تحضرها الملائكة.
(2) أي العشاء.
(3) أي الحزم والحيطة.
(4) أي العزيمة على القيام آخر الليل.
(4) عدد ركعات الوتر: قال الترمذي: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم الوتر بثلاث عشرة ركعة،

وتسع، وسبع، وخمس، وثلاث، وواحدة.
قال إسحق بن إبراهيم:
معنى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بثلاث عشرة ركعة أنه كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر، يعني من جملتها الوتر فنسبت صلاة الليل إلى الوتر.
ويجوز أداء الوتر ركعتين (1) ، ثم صلاة ركعة بتشهد وسلام، كما يجوز صلاة الكل بتشهدين وسلام، فيصل الركعات بعضها ببعض من غير أن يتشهد إلا في الركعة التي هي قبل الاخيرة فيتشهد فيها ثم يقوم إلى الركعة الاخيرة فيصليها ويتشهد فيها ويسلم، ويجوز أداء الكل بتشهد واحد وسلام في الركعة الاخيرة، كل ذلك جائز وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن القيم: وردت السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في الوتر بخمس متصلة، وسبع متصلة.
كحديث أم سلمة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بسلام ولا بكلام.
رواه أحمد والنسائي وابن ماجه بسند جيد، وكقول عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس لا يجلس إلا في آخرهن. متفق عليه، وكحديث عائشة: أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه ثم ينهض ولا يسلم ثم يصلي التاسعة ثم يقعد ويتشهد ثم يسلم تسليما يسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد فتلك إحدى عشرة ركعة فلما أسن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه اللحم أوتر بسبع وصنع في الركعتين مثل صنيعه في الاول.
وفي لفظ عنها: فلما أسن وأخذه اللحم أوتر بسبع ركعات لم يجلس إلا في السادسة والسابعة، ولم يسلم إلا في السابعة.
وفي لفظ: صلى سبع ركعات لا قعد إلا في آخرهن. أخرجه الجماعة، وكلها أحاديث صحاح صريحة لا معارض لها سوى قوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى مثنى) وهو حديث صحيح، لكن الذي قاله هو الذي أوتر بالسبع والخمس، وسننه كلها حتى يصدق بعضها بعضا.
فالنبي صلى الله عليه وسلم أجاب السائل عن صلاة الليل بأنها مثنى مثنى ولم يسأله عن الوتر.
وأما السبع والخمس والتسع والواحدة فهي صلاة الوتر، والوتر اسم للواحدة المنفصلة مما قبلها، وللخمس والسبع والتسع المتصلة كالمغرب اسم للثلاثة المتصلة، فإن

(1) أي يسلم على رأس كل ركعتين.

انفصلت الخمس والسبع بسلامين كالاحدى عشرة كان الوتر اسما للركعة المفصولة وحدها.
كما قال صلى الله عليه وسلم: (صلاة الليل مثنى فإذا خشي الصبح أوتر بواحدة توتر له ما قد صلى) فاتق فعله صلى الله عليه وسلم وقوله وصدق بعضه بعضا.
(5) القراءة في الوتر: يجوز القراءة في الوتر بعد الفاتحة بأي شئ من القرآن، قال علي: ليس من القرآن شئ مهجور فأوتر بما شئت.
ولكن المستحب إذا أوتر بثلاث أن يقرأ في الاولى بعد الفاتحة (سبح اسم ربك الاعلى) وفي الثانية (قل يا أيها الكافرون) وفي الثالثة (قل هو الله أحد، والمعوذتين) .
لما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعة الاولى ب (سبح اسم ربك الاعلى) وفي الثانية ب (قل يا أيها الكافرون) وفي الثالثة ب (قل هو الله أحد، المعوذتين) .
(6) القنوت في الوتر: يشرع القنوت في الوتر في جميع السنة، لما رواه أحمد وأهل السنن وغيرهم من حديث الحسن بن علي رضي الله عنه قال: علمني رسول الله صلى الله عليه
وسلم كلمات أقولهن في الوتر: (اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، وتولني فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت وقني شر ما قضيت، فإنك تقضي ولا يقضى عليك، وإنه لاى ذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، وصلى الله على النبي محمد) .
قال الترمذي: هذا حديث حسن.
قال: ولا يعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت شئ أحسن من هذا.
وقال النووي: إسناده صحيح، وتوقف ابن حزم في صحته، فقال هذا الحديث وإن لم يكن مما يحتج به فإنا لم نجد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم غيره والضعيف من الحديث أحب إلينا من الرأي، قال ابن حنبل وهذا مذهب ابن مسعود، وأبي موسى، وابن عباس، والبراء، وأنس، والحسن البصري، وعمر بن عبد العزيز، والثوري، وابن المبارك، والحنفية، ورواية عن أحمد.
قال النووي: وهذا الوجه قوي في الدليل.
وذهب الشافعي وغيره إلى أنه لا يقنت في الوتر إلا في النصف الاخير من

رمضان، لما رواه أبو داود أن عمر بن الخطاب جمع الناس على أبي بن كعب وكان يصلي لهم عشرين ليلة ولا يقنت إلا في النصف الباقي من رمضان.
وروى محمد بن نصر أنه سأل سعيد بن جبير عن بدء القنوت في الوتر فقال: بعض عمر بن الخطاب جيشا فتورطوا متورطا خاف عليهم، فلما كان النصف الاخر من رمضان قنت يدعو لهم.
(7) محل القنوت: يجوز القنوت قبل الركوع بعد الفراغ من القراءة، ويجوز كذلك بعد الرفع من الركوع، فعن حميد قال: سألت أنسا عن القنوت قبل الركوع أو بعد الركوع؟ فقال كنا نفعل قبل وبعد. رواه ابن ماجه ومحمد بن نصر.
قال الحافظ في الفتح: إسناده قوي.
وإذا قنت قبل الركوع كبر رافعا يديه بعد الفراغ من القراءة وكبر كذلك بعد الفراغ من القنوت، روي ذلك عن بعض الصحابة.
وبعض العلماء استحب رفع يديه عند القنوت وبعضهم لم يستحب ذلك.
وأما مسح الوجه بهما فقد قال البيهقي: الاولى أن لا يفعله ويقتصر على ما فعله السلف رضي الله عنهم من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة.
(8) الدعاء بعده: يستحب أن يقول المصلي بعد السلام من الوتر: سبحان الملك القدوس ثلاث مراتى رفع صوته بالثالثة ثم يقول: رب الملائكة والروح، لما رواه أبو داود والنسائي من حديث أبي بن كعب قال: كانر سول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر ب (سبح اسم ربك الاعلى) و (قل يا أيها الكافرون) و (قل هو الله أحد) .
فإذا سلم قال: سبحان الملك القدوس ثلاث مرات، يمد بها صوته في الثالثة ويرفع. وهذا لفظ النسائي.
زاد الدارقطني، ويقول: رب الملائكة والروح، ثم يدعو بما رواه أحمد وأصحاب السنن عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره.
(اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك) .

(9) لا وتران في ليلة: من صلى الوتر ثم بدا له أن يصلي جاز ولا يعيد الوتر.
لما رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه عن علي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا وتران في ليلة) .
وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليما يسمعنا، ثم يصلي ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد، رواه مسلم.
وعن أم سلمة: أنه صلى الله عليه وسلم كان يركع ركعتين بعد الوتر وهو جالس، رواه أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم.
(10) قضاؤه: ذهب جمهور العلماء إلى مشروعية قضاء الوتر لما رواه البيهقي والحاكم وصححه على شرط الشيخين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أصبح أحدكم ولم يوتر فليوتر) .
وروى أبو داود عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نام عن وتره أو نسيه فليصله إذا ذكره) قال العراقي إسناده صحيح.
وعند أحمد والطبراني بسند حسن: كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصبح فيوتر.
واختلفوا في الوقت الذي يقضى فيه، فعند الحنفية يقضى في غير أوقات النهي، وعند الشافعية يقضى في أي وقت من الليل أو من النهار، وعند مالك وأحمد يقضى بعد الفجر ما لم تصل الصبح.
القنوت في الصلوات الخمس يشرع القنوت جهرا في الصلوات الخمس عند النوازل، فعن ابن عباس قال: قنت الرسول صلى الله عليه وسلم شهرا متتابعا. في الظهر والعصر، والمغرب، والعشاء والصبح في دبر كل صلاة إذا قال سمع الله لمن حمده من الركعة الاخيرة: يدعو عليهم، على حي من بني سليم وعل رعل وذكوان وعصية (1) ويؤمن من خلفه.
رواه أبو داود وأحمد، وزاد: أرسل إليهم يدعوهم إلى الاسلام فقتلوهم.
قال عكرمة: كان هذا مفتاح القنوت: وعن أبي هريرة

(1) رعل وذكوان وعصية: قبائل من بني سليم زعموا أنهم أسلموا فطلبوا من الرسول أن يمدهم من يفقههم فأمدهم بسبعين فقتلوهم، فكان ذلك سبب القنوت.

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لاحد قنت بعد الركوع.
فربما قال، إذا قال سمع الله لمن حمده: ربنا ولك الحمد: (اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، والمستضعفين من المؤمنين. اللهم اشدد وطأتك (1) على مضر واجعلها عليهم سنين كسني (2) يوسف) قال يجهر بذلك ويقولها في بعض صلاته، وفي صلاة الفجر (اللهم ألعن فلانا وفلانا) حيين من أحياء العرب حتى أنزل الله تعالى: (ليس لك من الامر شئ أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون) رواه أحمد والبخاري.

القنوت في صلاة الصبح:
القنوت في صلاة الصبح غير مشروع إلا في النوازل ففيها يقنت فيه وفي سائر الصلوات كما تقدم.
روى أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي وصححه.
عن أبي مالك الاشجعي قال: كان أبي قد صلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ست عشرة سنة، وأبي بكر وعمر وعثمان.
فقلت أكانوا يقنتون؟ قال: لا: أي بني محدث.
وروى ابن حبان والخطيب وابن خزيمة وصححه، عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت في صلاة الصبح إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم (3) .
وروى الزبير والخلفاء الثلاثة أنهم كانوا لا يقنتون في صلاة الفجر.
وهو مذهب الحنفية والحنابلة وابن المبارك والثوري وإسحاق.
ومذهب الشافعية أن القنوت في صلاة الصبح بعد
الركوع من الركعة الثانية سنة، لما رواه الجماعة إلا الترمذي عن ابن سيرين أن أنس بن مالك سئل: هل قنت النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح؟ فقال: نعم.
فقيل له: قبل الركوع أو بعده؟ قال: بعد الركوع.
ولما رواه أحمد والبزار والدارقطني والبيهقي والحاكم وصححه عنه قال: ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا.

(1) الوطأة: الضغطة والاخذة الشديدة.
(2) هي السنن المذكورة في القرآن.
(3) هذا لفظ ابن حبان، ولفظ غيره بدون ذكر (في صلاة الصبح) .