سنن الصلاة

سنن الصلاة:
للصلاة سنن، يستحب للمصلي أن يحافظ عليها لينال ثوابها.
نذكرها فيما يلي:
(1) رفع اليدين: يستحب أن يرفع يديه في أربع حالات: الاولى، عند تكبيرة الاحرام.
قال ابن المنذر: لم يختلف أهل العلم في أنه صلى الله عليه وسلم، كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة.
وقال الحافظ ابن حجر: إنه روى رفع اليدين في أول الصلاة خمسون
صحابيا، منهم العشرة المشهود لهم بالجنة.
وروى البيهقي عن الحاكم قال: لا نعلم سنة اتفق على روايتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلفاء الاربعة، ثم العشرة المشهود لهم بالجنة فمن بعدهم من أصحابه، مع تفرقهم في البلاد التاسعة، غير هذه السنة.
قال البيهقي: هو كما قال أستاذنا أبو عبد الله.
صفة الرفع: ورد في صفة رفع اليدين روايات متعددة.
والمختار الذي عليه الجماهير، أنه يرفع يديه حذو منكبيه، بحيث تحاذي أطراف أصابعه أعلى أذنيه، وإبهاماه شحمتي أذكيه، وراحتاه منكبيه.
قال النووي: وبهذا جمع الشافعي بين روايات الاحاديث فاستحسن الناس ذلك منه.
ويستحب أن يمد أصابعه وقت الرفع.
فعن أبي هريرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدا.
رواه الخمسة إلا ابن ماجه.
وقت الرفع: ينبغي أن يكون رفع اليدين مقارنا لتكبيرة الاحرام أو متقدما عليها.
فعن نافع: أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه،

ورفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه البخاري والنسائي وأبو داود.
وعنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه حين يكبر حتى يكونا حذو منكبيه أو قريبا من ذلك.
الحديث رواه أحمد وغيره.
وأما تقدم رفع اليدين على تكبيرة الاحرام فقد جاء عن ابن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا بحذو
منكبيه ثم يكبر، رواه البخاري ومسلم.
وقد جاء في حديث مالك بن الحويرث بلفظ: (كبر ثم رفع يديه) رواه مسلم.
وهذا يقيه تقدم التكبيرة على رفع اليدين، ولكن الحافظ قال: لم أر من قال بتقديم التكبيرة على الرفع.
الثانية والثالثة: ويستحب رفع اليدين عند الركوع والرفع منه.
وقد روى اثنان وعشرون صحابيا: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعله.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو (1) منكبيه ثم يكبر، فإذا أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك، وقال: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد.
رواه البخاري ومسلم والبيهقي.
وللبخاري: ولا يفعل ذلك حين يسجد ولا حين يرفع رأسه من السجود.
ولمسلم: ولا يفعله حين يرفع رأسه من السجود، وله أيضا: ولاى رفعهما بين السجدتين: وزاد البيهقي: فما زالت تلك صلاته حتى لقي الله تعالى.
قال ابن المدايني: هذا الحديث عندي حجة على الخلق.
كل من سمعه فعليه أن يعمل به، لانه ليس في إسناده شئ، وقد صنف البخاري في هذه المسألة جزءا مفردا، وحكى فيه عن الحسن وحميد بن هلال: أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك، يعني الرفع في الثلاثة المواطن، ولم يستثن الحسن أحدا.
وأما ما ذهب إليه الحنفية، من أن الرفع لا يشرع إلا عند تكبيرة الاحرام استدلالا بحديث ابن مسعود أنه قال: لاصلين لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى فلم يرفع يديه إلا مرة واحدة، فهو مذهب غير قوي، لان هذا قد طعن فيه كثير من أئمة الحديث.
قال ابن حبان هذا أحسن.

(1) حذو منكبيه أي مساوية لمنكبيه تماما.

خبر.
روى أهل الكوفة في نفي رفع اليدين في الصلاة عند الركوع وعند الرفع منه، وهو في الحقيقة أضعف شئ يعول عليه، لان له عللا تبطله، وعلى فرض التسليم بصحته، كما صرح بذلك الترمذي، فلا يعارض الاحاديث الصحيحة التي بلغت حد الشهرة.
وجوز صاحب التنقيح أن يكون ابن مسعود نسي الرفع كما نسي غيره.
قال الزيلعي في نصب الراية - نقلا عن صاحب التنقيح -: ليس في نسيان ابن مسعود لذلك ما يستغرب: فقد نسي ابن مسعود من القرآن ما لم يختلف فيه المسلمون بعد، وهما المعوذتان، ونسي ما اتفق العلماء على نسخه، كالتطبيق، ونسي كيف قيام الاثنين خلف الامام، ونسي ما لا يختلف العلماء فيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح يوم النحر في وقتها ونسي كيفية جمع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة، ونسي ما لم يختلف العلماء فيه من وضع المرفق والساعد على الارض في السجود، ونسي كيف يقرأ النبي صلى الله عليه وسلم (وما خلق الذكر والانثى) وإذا جاز على ابن مسعود أن ينسى مثل هذا في الصلاة، كيف لا يجوز أن ينسى مثله في رفع اليدين؟ الرابعة عند القيام إلى الركعة الثالثة: فعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: أنه كان إذا قام من الركعتين رفع يديه ورفع ذلك ابن عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
رواه البخاري وأبو داود والنسائي.
وعن علي في وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان إذا قام من السجدتين رفع يديه حذو منكبيه وكبر.
رواه أبو داود وأحمد والترمذي وصححه: والمراد بالسجدتين الركعتان.
مساواة المرأة بالرجل في هذه السنة: قال الشوكاني: واعلم أن هذه السنة يشترك فيها الرجال والنساء، ولم
يرد ما يدل على الفرق بينهما فيها، وكذا لم يرد ما يدل على الفرق بين الرجل والمرأة في مقدار الرفع.
(2) وضع اليمين على الشمال: يندب وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة.
وقد ورد في ذلك عشرون

حديثا، عن ثمانية عشر صحابيا وتابعين عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن سهل ابن سعد قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة، قال أبو حازم: لا أعلم أنه ينمى (1) ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه البخاري وأحمد ومالك في الموطأ.
قال الحافظ: وهذا حكمه الرفع، لانه محمول على أن الامر لهم بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم.
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنا معشر الانبياء أمرنا بتعجيل فطرنا وتأخير سحورنا، ووضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة) .
وعن جابر قال: (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل وهو يصلي، وقد وضع يده اليسرى على اليمنى فانتزعها، ووضع اليمنى على اليسرى) رواه أحمد وغيره، قاله النووي: إسناده صحيح.
وقال ابن عبد البر: لم يأت فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف، وهو قول جمهور الصحابة والتابعين وذكره مالك في الموطأ وقال: لم يزل مالك يقبض حتى لقي الله عزوجل.
موضع وضع اليدين: قال الكمال بن الهمام.
ولم يثبت حديث صحيح يوجب العمل في كون الوضع تحت الصدر، وفي كونه تحت السرة، والمعهود عند الحنفية هو كونه تحت السرة وعند الشافعية تحت الصدر.
وعن أحمد قولان كالمذهبين، والتحقيق المساواة بينهما.
وقال الترمذي: أن أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة، ورأى بعضهم فوق السرة، ورأى بعضهم أن يضعها تحت السرة، وكل ذلك واقع عندهم. انتهى.
ولكن قد جاءت روايات تفيد أنه صلى الله عليه وسلم، كان يضع يديه على صدره، فعن هلب الطائي قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يضع اليمنى على اليسرى على صدره فوق المفصل، رواه أحمد، وحسنه الترمذي.
وعن وائل بن حجر قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره) رواه ابن خزيمة وصححه ورواه أبو داود والنسائي بلفظ: ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه

(1) (ينمي) : يرفع.

اليسرى والرسغ (1) والساعد.
أي أنه وضع يده اليمنى على ظهر اليسرى ورصغها وساعدها.
(3) التوجه أو دعاء الاستفتاح: يندب للمصلي أن يأتي بأي دعاء من الادعية التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم ويستفتح بها الصلاة، بعد تكبيرة الاحرام وقبل القراءة.
ونحن نذكر بعضها فيما يلي:
1 - عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنيهة (2) قبل القراءة فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الابيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد.) رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن. إلا الترمذي.
2 - وعن علي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر ثم قال: (وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين: اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لاحسن الاخلاق، لا يهدي لاحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك (3) ، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، وأنا بك وإليك تباركت وتعاليت، أستغفرك وأتوب إليك.) رواه أحمد ومسلم

(1) (الرسغ) : المفصل بين الساعد والكف.
(2) وقتا قصيرا.
(3) (لبيك) : هو من ألب بالمكان إذا أقام به، أي أجبك إجابة بعد إجابة، قال النووي قال العلماء: ومعناه أنا مقيم على طاعتك اقامة بعد إقامة (سعديك) قال الازهري وغيره: معناه مساعدة لامرك بعد مساعدة، ومتابعة لدينك بعد متابعة، (الشر ليس اليك) : أي لا يتقرب به اليك أو لا يضاف اليك تأدبا، أو لا يصعد إليك، أو أنه ليس شرا بالنسبة إليك فانما خلقته لحكمة بالغة، وانما هو شر بالنسبة للمخلوقين.

والترمذي وأبو داود وغيرهم.
3 - وعن عمر: أنه كان يقول بعد تكبيرة الاحرام: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك (1) ، ولا إله غيرك) رواه مسلم بسند منقطع. والدارقطني موصولا وموقوفا على عمر.
قال ابن القيم: صح عن عمر أنه كان يستفتح به في مقام النبي صلى الله عليه وسلم، ويجهر به ويعلمه
الناس، وهو بهذا الوجه في حكم المرفوع، ولذا قال الامام أحمد: أما أنا فأذهب إلى ما روي عن عمر، ولو أن رجلا استفتح ببعض ما روي كان حسنا.
4 - وعن عاصم بن حميد قال: سألت عائشة بأي شئ كان يفتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم قيام الليل؟ فقالت لقد سألتني عن شئ ما سألني عنه أحد قبلك، كان إذا قام كبر عشرا (2) وحمد الله عشرا، وسبح الله عشرا، وهلل عشرا، واستغفر عشرا وقال: (اللهم اغفر لي واهدني وارزقني وعافني ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه.
5 - وعن عبد الرحمن بن عوف قال: سألت عائشة، بأي شئ كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت: كان إذا قام من الليل يفتتح صلاته: (اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والارض عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك: إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم) رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
6 - وعن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في التطوع: الله أكبر كبيرا، ثلاث مرات، والحمد لله كثيرا، ثلاث مرات، وسبحان الله بكرة وأصيلا، ثلاث مرات. اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم، من همزه ونفثه ونفخه) قلت: يا رسول الله

(1) ومعنى (تعالى جدك) علا جلالك وعظمتك.
(2) كان إذا قام كبر عشرا: أي بعد تكبيرة الاحرام.

ما همزه ونفثه ونفخه؟ قال: أما همزة فالموتة (1) التي تأخذ بني آدم، أما نفخه: الكثير، ونفثه: الشعر) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان مختصرا.
7 - وعن ابن عباس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال: (اللهم لك الحمد أنت قيم السموات والارض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السموات والارض ومن فيهن، ولك الحمد أنت مالك السموات والارض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت الحق ووعدك الحق، ولقاؤك حق، وقولك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق ومحمد حق، والساعة حق.
اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت، ولا إله غيرك، ولا حول ولا قوة إلا بالله) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ومالك.
وفي أبي داود عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان في التهجد يقوله بعدما يقول الله أكبر.
8 - الاستعاذة: يندب للمصلي بعد دعاء الاستفتاح وقبل القراءة، أن يأتي بالاستعاذة، لقول الله تعالى: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) (2) .
وفي حديث نافع بن جبير المتقدم، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم) إلخ.
وقال ابن المنذر: جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول قبل القراءة (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) .
(4) الاسرار بها:
ويسن الاتيان بها سرا.
قال في المغني: ويسر الاستعاذة ولا يجهر بها، لا أعلم فيه خلافا.
انتهى: لكن الشافعي يرى التخيير بين الجهر بها والاسرار في الصلاة الجهرية، وروي عن أبي هريرة الجهر بها عن طريق ضعيف.

(1) (المؤتة) : الصراع.
(2) أي إذا أردت القراءة فاستعذ: كقول الله تعالى (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم) .

مشروعيتها في الركعة الاولى دون سائر الركعات:
ولا تشرع الاستعاذة إلا في الركعة الاولى.
فعن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نهض في الركعة الثانية، افتتح القراءة ب الحمد لله رب العالمين، ولم يسكت.
رواه مسلم.
قال ابن القيم: اختلف الفقهاء، هل هذا موضع استعاذة أو لا؟ بعد اتفاقهم على أنه ليش موضع استفتاح، وفي ذلك قولان، هما رواية عن أحمد، وقد بناهما بعض أصحابه على أن قراءة الصلاة هل هي قراءة واحدة، فيكفي فيها استعاذة واحدة، أو قراءة كل ركعة مستقلة برأسها؟ ولا نزاع بينهما في أن الاستفتاح لمجموع الصلاة.
والاكتفاء باستعاذة واحدة أظهر للحديث الصحيح، وذكر حديث أبي هريرة ثم قال: وإنما يكفي استفتاح واحد، لانه لم يتخلل القراءتين سكوت بل تخللهما ذكر، فهي كالقراءة الواحدة إذا تخللها حمد الله، أو تسبيح أو تهليل، أو صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك.
وقال الشوكاني: الاحوط الاقتصار على ما وردت به السنة وهو الاستعاذة قبل قراءة الركعة الاولى فقط.
(5) التأمين: يسن لكل مصل، إماما أو مأموما أو منفردا، أن يقول آمين، بعد قراءة الفاتحة، يجهر بها في الصلاة الجهرية، ويسر بها في السرية.
فعن نعيم المجمر قال: صليت وراء أبي هريرة فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن، حتى إذا بلغ (ولا الضالين) فقال آمين، وقال الناس: آمين.
ثم يقول أبو هريرة بعد السلام: والذي نفسي بيده إني لاشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكره البخاري تعليقا (1) ورواه النسائي وابن خزيمة وابن حبان وابن السراج.
وفي البخاري قال ابن شهاب: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: آمين.
وقال عطاء، آمين دعاء، أمن ابن الزبير ومن وراء حتى إن للمسجد للجة (2) وقال نافع.
كان ابن عمر لا يدعه ويحضهم، وسمعت منه في ذلك خبرا.
وعن أبي هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه

(1) أي من غير ذكر السند.
(2) (لجة) : أي صوت مرتفع.

وسلم إذا تلا: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال: آمين، حتى يسمع من يليه من الصف الاول، رواه أبو داود وابن ماجه وقال: حتى يسمعها أهل الصف الاول فيرتج بها المسجد.
ورواه أيضا الحاكم وقال: صحيح على شرطهما، والبيهقي وقال حسن صحيح.
والدارقطني وقال: إسناده حسن.
وعن وائل بن حجر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فقال: آمين، يمد بها صوته.
رواه أحمد وأبو داود، ولفظه، رفع بها صوته.
وحسنه الترمذي وقال: وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم، يرون أن يرفع الرجل صوته بالتأمين ولا يخفيها.
وقال الحافظ: سند هذا الحديث صحيح.
وقال عطاء: أدركت مائتين من الصحابة في هذا المسجد، إذا قال الامام: ولا الضالين، سمعت لهم رجة آمين.
وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما حسدتكم اليهود على شئ، ما حسدتكم على السلام والتأمين خلف الامام.) رواه أحمد وابن ماجه.
استحباب موافقة الامام فيه:
ويستحب للمأموم أن يوافق الامام، فلا يسبقه في التأمين ولا يتأخر عنه فعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الامام: غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين، فإن من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري.
وعنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قال الامام (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) فقولوا آمين (1) فإن الملائكة يقولون: آمين وإن الامام يقول: آمين، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أمن الامام فأمنوا فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه الجماعة.
وبيان هذا في الحديث الاخر (أن الامام يقول آمين) إلى آخر الحديث.

(1) قال الخطابي: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الامام ولا الضالين) فقولوا (آمين) : أي مع الامام، حتى يقع تأمينكم وتأمينه معا.
وأما قوله: (إذا أمن أمنوا) فانه لا يخالفه ولا يدل على أنهم يؤخرونه عن وقت تأمينه، وإنما هو كقول القائل: إذا رحل الامير فارحلوا: يعني إذا أخذ الامير في الرحيل فتهيأوا للارتحال، لتكون رحلتكم مع رحلته.

معنى آمين: ولفط (آمين) يقصر ألفه ويمد مع تخفيف الميم، وليس من الفاتحة، وإنما دعاه معناه: اللهم استجب.
(6) القراءة بعد الفاتحة:
يسن للمصلي أن يقرا سورة أو شيئا من القرآن بعد قراءة الفاتحة في ركعتي الصبح والجمعة، والاوليين من الظهر والعصر والمغرب والعشاء، وجميع ركعات النفل.
فعن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر، في الاوليين، بأم الكتاب وسورتين، وفي الركعتين الاخريين، بأم الكتاب، ويسمعنا الاية أحيانا، ويطول في الركعة الاولى ما لا يطول في الثانية. وهكذا في العصر، وهكذا في الصبح. رواه البخاري ومسلم وأبو داود، وزاد: قال: فظننا أنه يريد بذلك أن يدرك الناس الركعة الاولى.
وقال جابر بن سمرة: شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر فعزله، واستعمل عليهم عمارا فشكوا حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي، فأرسل إليه فقال: يا أبا إسحق إن هؤلاء يزعمون أنك تصلي، قال أبو إسحاق: أما أنا والله فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أخرم عنها (1) : أصلي صلاة العشاء فأركد في الاوليين (2) وأخف في الاخريين قال: ذاك الظن بك يا أبا إسحق، فأرسل معه رجلا أو رجالا إلى الكوفة، فسأل عنه أهل الكوفة، ولم يدع مسجدا إلا سأل عنه، ويثنون معروفا، حتى دخل مسجدا لبني عبس، فقام رجل منهم يقال له أسامة بن قتادة، يكنى أبا سعدة فقال: أما إذا ناشدتنا الله، فإن سعدا كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية.
قال سعد: أما والله لادعون بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبا قام رياء وسمعة فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه للفتن، وكان بعد يقول: شيخ مفتون أصابتني دعوة سعد.
قال عبد الملك: فإنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطريق

(1) (ما أخرم عنها) : أي أنقص.
(2) (فأركد في الاوليين) أي أطول فيهما القراءة.

يغمزهن.
رواه البخاري وقال أبو هريرة: في كل صلاة يقرأ، فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم، وما أخفي عنا أخفينا عنكم، وإن لم تزد على أم القرآن أجزأت، وإن زدت فهو خير، رواه البخاري.
كيفية القراءة بعد الفاتحة:
والقراءة بعد الفاتحة تجوز على أي نحو من الانحاء.
قال الحسين: (غزونا خراسان ومعنا ثلثمائة من الصحابة فكان الرجل منهم يصلي بنا فيقرأ الايات من السورة ثم يركع) .
وعن ابن عباس: أنه قرأ الفاتحة وآية من البقرة في كل ركعة. رواه الدارقطني بإسناد قوي.
وقال البخاري: (باب الجمع بين السورتين في الركعة والقراءة بالخواتيم وبسورة قبل سورة وبأول سورة) .
ويذكر عن عبد الله بن السائب: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم (المؤمنون) في الصبح حتى إذا ذكر موسى وهارون، أو ذكر عيسى أخذته سعلة فركع.
وقرأ عمر في الركعة الاولى بمائة وعشرين آية من البقرة، وفي الثانية بسورة من المثاني.
وقرأ الاحنف بالكهف في الاولى، وفي الثانية بيونس أو يوسف، وذكر: أنه صلى مع عمر الصبح بهما، وقرأ ابن مسعود بأربعين آية من الانفال وفي الثانية بسورة من المفصل.
وقال قتادة فيمن قرأ سورة واحدة في ركعتين، أو يردد سورة في ركعتين -: كل كتاب الله.
وقال عبد الله بن ثابت عن أنس: كان رجل من الانصار يؤمهم في مسجد قباء.
وكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به، افتتح ب (قل هو الله أحد) حتى يفرغ منها، ثم يقرأ سورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة.
فكلمه أصحابه فقالوا: إنك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بأخرى، فإما أن تقرأ بها وإما أن تدعها وتقرأ بأخرى.
فقال: ما أنا بتاركها. إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت وإن كرهتم تركتكم. وكانوا يرون أنه من أفضلهم وكرهوا أن يؤمهم غيره.
فلما أتاهم النبي صلى الله عليه وسلم، أخبروه الخبر فقال: (يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك، وما يحملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة؟ فقال: إني أحبها. فقال: (حبك إياها أدخلك الجنة) .
وعن رجل من جهينة: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح: (إذا زلزلت الارض) في الركعتين كلتيهما قال: