الأوقات المنهي عن الصلاة فيها

يا رسول الله، ألا نعيدها في وقتها من الغد؟ فقال: (أينهاكم ربكم تعالى عن الربا ويقبله منكم) . رواه أحمد وغيره.

الأوقات المنهي عن الصلاة فيها:
ورد النهي عن صلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، وعند طلوعها حتى ترتفع قدر رمح، وعند استوائها حتى تميل إلى الغروب، وبعد صلاة العصر حتى تغرب، فعن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس) . رواه البخاري ومسلم.
وعن عمرو بن عبسة قال: قلت: يا نبي الله أخبرني عن الصلاة؟ قال: (صل صلاة الصبح ثم أقصر عن الصلاة (1) حتى تطلع الشمس وترتفع، فإنها تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم اقصر عن الصلاة فإن (2) حينئذ تسجر جهنم (3) فإذا أقبل الفي فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب، فإنها تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار) ، رواه أحمد ومسلم.
وعن عقبة بن عامر قال: ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا (4) : حين تطلع الشمس بازغة (5)

(1) (أقصر) : كف. (تطلع بين قرني شيطان) قال النووي: يدني رأسه إلى الشمس في هذه الاوقات ليكون الساجدون لها من الكفار كالساجدين له في الصورة وحينئذ يكون له ولشيعته تسلط ظاهر وتمكن من أن يلبسوا على المصلين صلاتهم فكرهت الصلاة حينئذ صيانة لها كما كرهت في الاماكن التي مأوى الشياطين.
(مشهودة محضورة) . تشهدها الملائكة ويحضرونها.
(يستقل الظل بالرمح) : المراد به أن يكون الظل في جانب الرمح فلا يبقى على الارض منه شئ وهذا يكون حين الاستواء.
(2) (فإن) ، وفي رواية فانه.
(3) (تسجر جهنم) : أي يوقد عليها.
(4) النهي عن الدفن في هذه الاوقات معناه تعمد تأخير الدفن إلى هذه الاوقات، فأما إذا وقع الدفن بلا تعمد في هذه الاوقات فلا يكره.
(5) (بازغة) : ظاهرة.
(تضيف) تميل.

حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة، وحين تضيف للغروب حتى تغرب. رواه الجماعة إلا البخاري.

رأي الفقهاء في الصلاة بعد الصبح والعصر:
يرى جمهور العلماء جواز قضاء الفوائت بعد صلاة الصبح والعصر، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها) ، رواه البخاري ومسلم.
وأما صلاة النافلة فقد كرهها من الصحابة: علي، وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأبو هريرة، وابن عمر وكان عمر يضرب على الركعتين بعد العصر بمحضر من الصحابة من غير نكير، كما كان خالد ابن الوليد يفعل ذلك.
وكرهها من التابعين الحسن، وسعيد ابن المسيب، ومن أئمة المذاهب أبو حنيفة، ومالك.
وذهب الشافعي إلى جواز صلاة ما له سبب (1) كتحية المسجد، وسنة الوضوء في هذين الوقتين، استدلالا بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة الظهر بعد صلاة العصر، والحنابلة ذهبوا إلى حرمة التطوع ولو له سبب في هذين الوقتين، إلا ركعتي الطواف، لحديث جبير بن مطعم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء، من ليل أو نهار) . رواه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة والترمذي.

رأيهم في الصلاة عند طلوع الشمس وغروبها واستوائها:
يرى الحنفية عدم صحة الصلاة مطلقا في هذه الاوقات، سواء كانت الصلاة مفروضة أو واجبة أو نافلة، قضاء أو أداء، واستثنوا عصر اليوم وصلاة الجنازة (إن حضرت في أي وقت من هذه الاوقات، فإنها تصلى فيها بلا كراهة) وكذا سجدة التلاوة، إذا تليت آياتها في هذه الاوقات، واستثنى أبو يوسف التطوع يوم الجمعة وقت الاستواء.
ويرى الشافعية كراهة النفل الذي لا سبب له في هذه الاوقات.
أما الفرض مطلق، والنفل الذي له سبب، والنقل وقت

(1) هذا أقرب المذاهب إلى الحق.

الاستواء يوم الجمعة، والنفل في الحرم المكي، فهذا كله مباح لا كراهة فيه.
والمالكية يرون في وقت الطلوع والغروب حرمة النوافل، ولو لها سبب، والمنذورة وسجدة التلاوة، وصلاة الجنازة، إلا إذا خيف عليها التغير فتجوز، وأباحوا الفرائض العينية، أداء وقضاء في هذين الوقتين، كما أباحوا الصلاة مطلقا، فرضا أو نفلا وقت الاستواء.
قال الباجي في شرح الموطأ: وفي المبسوط عن ابن وهب: سئل مالك عن الصلاة نصف النهار فقال: أدركت
الناس وهم يصلون يوم الجمعة نصف النهار، وقد جاء في بعض الاحاديث نهي عن ذلك، فأنا لا أنهى عنه للذي أدركت الناس عليه، ولا أحبه للنهي عنه.
وأما الحنابلة فقد ذهبوا إلى عدم انعقاد النفل مطلقا في هذه الاوقات الثلاثة سواء كان له سبب أو لا، وسواء كان بمكة أو غيرها، وسواء كان يوم جمعة أو غيره، إلا تحية المسجد يوم الجمعة، فإنهم جوزوا فعلها بدون كراهة وقت الاستواء وأثناء الخطبة، وتحرم عندهم صلاة الجنازة في هذه الاوقات، إلا إن خيف عليها التغير فتجوز بلا كراهة.
وأباحوا قضاء الفوائت، والصلاة المنذورة، وركعتي الطواف ولو نفلا في هذه الاوقات الثلاثة (1) .

التطوع بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الصبح:
عن يسار مولى ابن عمر قال: رآني ابن عمر وأنا أصلي بعد ما طلع الفجر فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج علينا ونحن نصلي هذه الساعة فقال: (ليبلغ شاهدكم غائبكم أن لا صلاة بعد الصبح إلا ركعتين) .
رواه أحمد وأبو داود.
والحديث وإن كان ضعيفا، إلا أن له طرقا يقوي بعضها بعضا، فتنهض للاحتجاج بها على كراهة التطوع بعد طلوع الفجر بأكثر من ركعتي الفجر.
أفاده الشوكاني، وذهب الحسن والشافعي وابن حزم إلى جواز التنفل مطلقا بلا كراهة، وقصر مالك الجواز لمن فاتته صلاة الليل لعذر، وذكر أنه بلغه: أن عبد الله بن عباس والقاسم بن محمد وعبد الله بن عامر بن ربيعة أوتروا بعد الفجر، وأن عبد الله بن مسعود قال: ما أبالي لو أقيمت صلاة الصبح وأنا أوتر.
وعن يحيى بن سعيد أنه قال: كان عبادة بن الصامت يؤم

(1) ذكرنا آراء الائمة هنا لقوة دليل كل.