حكم ترك الصلاة

الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم، فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) (1) .
وقد شدد النكير على من يفرط فيها، وهدد الذين يضيعونها.
فقال جل شأنه: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، فسوف يلقون غيا (2) وقال: (فويل للمصلين، الذين هم عن صلاتهم ساهون) (3) .
ولان الصلاة من الامور الكبرى التي تحتاج إلى هداية خاصة، سأل إبراهيم عليه السلام ربه أن يجعله هو وذريته مقيما لها فقال: (رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي، ربنا وتقبل دعاء) (4) .

حكم ترك الصلاة:
ترك الصلاة جحودا بها وإنكارا لها كفر وخروج عن ملة الاسلام، بإجماع المسلمين.
أما من تركها مع إيمانه بها واعتقاده فرضيتها، ولكن تركها تكاسلا أو تشاغلا عنها، بما لا يعد في الشرع عذرا فقد صرحت الاحاديث بكفره ووجوب قتله.
أما الاحاديث المصرحة بكفره فهي:
1 - عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) .
رواه أحمد ومسلم، وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
2 - وعن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) .
رواه أحمد وأصحاب السنن.
3 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه ذكر الصلاة يوما فقال: (من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم

(1) سورة النساء: 102، 103.
(2) سورة مريم آية: 59.
(3) سورة الماعون آية: 404، 405.
(4) إبراهيم آية: 40.

القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف) رواه أحمد والطبراني وابن حبان، وإسناده جيد.
وكون تارك المحافظة على الصلاة مع أئمة الكفر في الاخرة يقتضي كفره.
قال ابن القيم: تارك المحافظة على الصلاة، إما أن يشغله ماله أو ملكه أو رياسته أو تجارته.
فمن شعله عنها ماله فهو مع قارون ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون، ومن شغله عنها رياسته ووزارته فهو مع هامان، ومن شغله عنها تجارته فهو مع أبي بن خلف.
4 - وعن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: (كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الاعمال تركه كفر غير الصلاة) رواه الترمذي والحاكم على شرط الشيخين.
5 - قال محمد بن نصر المروزي: سمعت إسحاق يقول: (صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن تارك الصلاة كافر) كان رأي أهل العلم، من لدن محمد صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر.
6 - وقال ابن حزم: وقد جاء عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة (أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد) ولا نعلم لهؤلاء الصحابة مخالفا. ذكره المنذري في الترغيب والترهيب.
ثم قال: قد ذهب جماعة من الصحابة ومن بعدهم إلى تكفير من ترك الصلاة، متعمدا تركها، حتى يخرج جميع وقتها، منهم عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس، ومعاذ بن جبل، وجابر بن عبد الله، وأبو الدرداء رضي الله عنهم.
ومن غير الصحابة أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن المبارك، والنخعي، والحكم بن عتيبة وأبو أيوب السختياني، وأبو داود الطيالسي، وأبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، وغيرهم رحمهم الله تعالى.
أما الاحاديث المصرحة بوجوب قتله فهي:

1 - عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عرى الاسلام وقواعد الدين ثلاثة. عليهن أسس الاسلام، من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم.
شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة المكتوبة، وصوم رمضان) رواه أبو يعلى بإسناد حسن.
وفي رواية أخرى: (من ترك منهن واحدة بالله كافر ولا يقبل منه صرف ولا عدل) (1) .
وقد حل دمه وماله) .
2 - وعن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الاسلام وحسابهم على الله عز وجل) .
رواه البخاري ومسلم.
3 - وعن أم سلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع) قالوا يا رسول الله: ألا نقاتلهم؟ قال: (لا، ما صلوا) رواه مسلم.
جعل المانع من مقاتلة أمراء الجور الصلاة.
4 - وعن أبي سعيد قال: بعث علي - وهو على اليمن - إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذهيبة فقسمها بين أربعة، فقال رجل يا رسول الله: اتق الله. فقال: (ويلك!! أو لست أحق أهل الارض أن يتقي الله!) ثم ولى الرجل فقال خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ فقال لا: (لعله أن يكون يصلي) فقال خالد: وكم من رجل يقول بلسانه ما ليس في قلبه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم) مختصر من حديث للبخاري ومسلم.
وفي هذا الحديث أيضا، جعل الصلاة هي المانعة من القتل، ومفهوم هذا، أن عدم الصلاة يوجب القتل.

رأي بعض العلماء الاحاديث المتقدمة ظاهرها يقتضي كفر تارك الصلاة وإباحة دمه، ولكن كثيرا من علماء السلف والخلف، منهم أبو حنيفة، مالك، والشافعي، على

(1) لا يقبل منه صرف ولا عدل: لا يقبل منه فرض ولا نقل.