الاستحاضة

الحائض والنفساء حتى تطهر، لحديث أنس: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم لم يؤاكلوها، ولم يجامعوها.
ولقد سأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) (1) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شئ إلا النكاح) ، وفي لفظ (إلا الجماع) رواه الجماعة إلا البخاري،، قال النووي: ولو اعتقد مسلم حل جماع الحائض في فرجها صار كافرا مرتدا، ولو فعله غير معتقد حله ناسيا أو جاهلا الحرمة أو وجود الحيض، فلا إثم عليه ولا كفارة، وإن فعله عامدا عالما بالحيض والتحريم مختارا فقد ارتكب معصية كبيرة، يجب عليه التوبة منها.
وفي وجوب الكفارة قولان: أصحهما أنه لا كفارة عليه، ثم قال: النوع الثاني أن يباشرها فيما فوق السرة وتحت الركبة وهذا حلال بالاجماع، والنوع الثالث أن يباشرها فيما بين السرة والركبة، غير القبل والدبر. وأكثر العلماء على حرمته.
ثم اختار النووي الحل مع الكراهة، لانه أقوى من حيث الدليل، انتهى ملخصا.
والدليل الذي أشار إليه، ما روي عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها شيئا. رواه أبو داود. قال الحافظ: إسناده قوي.
وعن مسروق بن الاجدع، قال: سألت عائشة: ما للرجل من امرأته إذا كانت حائضا؟ قالت: (كل شئ إلا الفرج) رواه البخاري في تاريخه.

الاستحاضة:
(1) تعريفها هي استمرار نزول الدم وجريانه في غير أوانه.

(1) سورة البقرة آية: 222.

(2) أحوال المستحاضة:
المستحاضة لها ثلاث حالات:
ا - أن تكون مدة الحيض معروفة لها قبل الاستحاضة، وفي هذه الحالة تعتبر هذه المدة المعروفة هي مدة الحيض، والباقي استحاضة، لحديث أم سلمة: أنها استفتت النبي صلى الله عليه وسلم في امرأة تهراق الدم فقال: (لتنظر قدر الليالي والايام التي كانت تحيضهن وقدرهن من الشعر، فتدع الصلاة، ثم لتغتسل ولتستثفر ثم تصلي) رواه مالك والشافعي والخمسة إلا الترمذي قال النووي: وإسناده على شرطهما.
قال الخطابي: هذا حكم المرأة يكون لها من الشهر أيام معلومة تحيضها في أيام الصحة قبل حدوث العلة ثم تستحاض فتهريق الدم، ويستمر بها السيلان أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تدع الصلاة من الشهر قدر الايام التي كانت تحيض، قبل أن يصيبها ما أصابها، فإذا استوفت عدد تلك الايام، اغتسلت مرة واحدة، وحكمها حكم الطواهر.
ب - أن يستمر بها الدم ولم يكن لها أيام معروفة، إما لانها حسبت عادتها، أو بلغت مستحاضة، ولا تستطيع تمييز دم الحيض.
وفي هذه الحالة يكون حيضها ستة أيام أو سبعة، على غالب عادة النساء، لحديث حمنة بنت جحش قالت: كنت أستحاض حيضة شديدة كثيرة، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره فوجدته في بيت أختي زينب بن جحش، قالت فقلت: يا رسول الله إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فما ترى فيها، وقد منعتني الصلاة والصيام؟ فقال: (أنعت لك الكرسف (1) فإنه يذهب الدم) قالت: هو أكثر من ذلك، قال (فتلجمي) قالت: إنما أثج ثجا فقال: (سآمرك بآمرين) أيهما فعلت فقد أجزأ عنك من الاخر، فان قويت عليها فأنت أعلم، فقال لها: (إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان، فتحيضي ستة أيام إلى سبعة في علم الله ثم اغتسلي، حتى إذا رأيت أنك قد

(1) (أنعت لك الكرسف) : أصف لك القطن. (شدي خرقة مكان الدم على هيئة اللجام، (والثج) : شدة السيلان.

طهرت واستنقيت، فصلي أربعا وعشرين ليلة، أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها، وصومي، فإن ذلك يجزئك، وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن بميقات حيضهن وطهرهن، وإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر، فتغسلين ثم تصلين الظهر والعصر جميعا، ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء وتجمعين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الفجر وتصلين، فكذلك فافعلي وصلي وصومي إن قدرت على ذلك ... ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وهذا أحب الامرين إلي) رواه أحمد وأبو داود والترمذي قال: هذا حديث حسن صحيح.
قال: وسألت عنه البخاري فقال: حديث حسن.
وقال أحمد بن حنبل: هو حديث حسن صحيح.
قال الخطابي - تعليقا على هذا الحديث -: إنما هي امرأة مبتدأة لم يتقدم لها أيام، ولا هي مميزة لدمها، وقد استمر بها الدم حتى غلبها، فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرها إلى العرف الظاهر والامر الغالب من أحوال النساء كما حمل أمرها في تحيضها كل شهر مرة واحدة على الغالب من عادتهن.
ويدل على هذا قوله: (كما تحيض النساء ويطهرن بميقات حيضهن وطهرهن) قال: وهذا أصل في قياس أمر النساء بعضهن على بعض، في باب الحيض والحمل والبلوغ، وما أشبه هذا من أمورهن.
ح - أن لا تكون لها عادة، ولكنها تستطيع تمييز دم الحيض عن غيره وفي هذه الحالة تعمل بالتمييز، لحديث فاطمة بنت أبي حبيش: أنها كانت تستحاض، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف، فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصلاة، فإذا كان الاخر فتوضئي وصلى فإنما هو عرق) وقد تقدم.
(3) أحكامها: للمستحاضة أحكام نلخصها فيما يأتي:
ا - أنه لا يجب عليها الغسل لشئ من الصلاة ولا في وقت من الاوقات إلا مرة واحدة، حينما ينقطع حيضها.
وبهذا قال الجمهور من السلف والخلف.
ب - أنه يجب عليها الوضوء لكل صلاة، لقوله صلى الله عليه وسلم

- في رواية البخاري -: (ثم توضئي لكل صلاة) .
وعند مالك يستحب لها الوضوء لكل صلاة، ولا يجب إلا بحدث آخر.
ح - أن تغسل فرجها قبل الوضوء وتحشوه بخرقة أو قطنة دفعا للنجاسة، وتقليلا لها، فإذا لم يندفع الدم بذلك شدت مع ذلك على فرجها وتلجمت واستثفرت، ولا يجب هذا، وإنما هو الاولى.
د - ألا تتوضأ قبل دخول وقت الصلاة عند الجمهور إذ طهارتها ضرورية، فليس لها تقديمها قبل وقت الحاجة.
هـ - أنه يجوز لزوجها أن يطأها في حال جريان الدم، عند جماهير العلماء لانه لم يرد دليل بتحريم جماعها.
قال ابن عباس: المستحاضة يأتيها زوجها إذا صلت الصلاة، أعظم رواه البخاري ليعني إذا جاز لها أن تصلي ودمها جار، وهي أعظم ما يشترط لها الطهارة، جاز جماعها.
وعن عكرمة بنت حمنة، أنها كانت مستحاضة وكان زوجها يجامعها. رواه أبو داود والبيهقي، وقال النووي: إسناده حسن.
و أن لها حكم الطاهرات: تصلي وتصوم وتعتكف وتقرأ القرآن وتمس المصحف وتحمله وتفعل كل العبادات.
وهذا مجمع عليه (1) .

(1) دم الحيض دم فساد، أما دم الاستحاضة فهو دم طبيعي، لذا منعت من العبادات في الاول دون الثاني.