ما يستحب له

عن أبيه عن جده رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهله اليمن كتابا وكان فيه: (لا يمس القرآن إلا طاهر) .
رواه النسائي والدارقطني والبيهقي والاثرم، قال ابن عبد البر في هذا الحديث: إنه أشبه بالتواتر، لتلقي الناس له بالقبول، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يمس القرآن إلا طاهر) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: (رجاله موثقون) فالحديث يدل على أنه لا يجوز مس المصحف، إلا لمن كان طاهرا ولكن (الطاهر) لفظ مشترك، يطلق على الطاهر من الحدث الاكبر، والطاهر من الحدث الاصغر، ويطلق على المؤمن، وعلى من ليس على بدنه نجاسة، ولابد لحمله على معين من قرينة.
فلا يكون الحديث نصا في منع المحدث حدثا أصغر من مس المصحف، وأما قول الله سبحانه: (لا يمسه إلا المطهرون) (1) فالظاهر رجوع الضمير إلى الكتاب المكنون، وهو وهو اللوح المحفوظ، لانه الاقرب، والمطهرون الملائكة، فهو كقوله تعالى: (في صحف مكرمة، مرفوعة مطهرة، بأيدي سفرة، كرام بررة) (2) وذهب ابن عباس والشعبي والضحاك وزيد بن علي والمؤيد بالله وداود وابن حزم وحماد بن أبي سليمان: إلى أنه يجوز للمحدث حدثا أصغر من المصحف وأما القراءة له بدون مس فهي جائزة اتفاقا.

ما يستحب له:
يستحب الوضوء ويندب في الاحوال الاتية:
(1) عند ذكر الله عزوجل: لحديث المهاجر بن قنفذ رضي الله عنه (أنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ فلم يرد عليه حتى توضأ فرد عليه، وقال: (إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كرهت أن أذكر الله إلا على الطهارة) ، قال قتادة (فكان الحسن من أجل هذا يكره أن يقرأ أو يذكر الله عز وجل حتى يطهر) رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وعن أبي جهيم بن الحارث رضي الله عنه

(1) سورة الواقعة آية: 29.
(2) سورة عبس آية 13 - 16.

قال: (أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل (1) فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه حتى أقبل على جدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رد عليه السلام) رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي، وهذا على سبيل الافضلية والندب.
وإلا فذكر الله عز وجل يجوز للمتطهر والمحدث والجنب والقائم والقاعد، والماشي والمضطجع بدون كراهة، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) رواه الخمسة إلا النسائي، وذكره البخاري بغير إسناد، وعن علي كرم الله وجهه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من الخلاء فيقرئنا ويأكل معنا اللحم، ولم يكن يحجزه عن القرآن شئ ليس الجنابة) رواه الخمسة وصححه الترمذي وابن السكن.
(2) عند النوم: لما رواه البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الايمن، ثم قل اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت، فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به،) قال فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم فلما بلغت: (اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت: ورسولك، قال: لا ... ونبيك الذي أرسلت) رواه أحمد والبخاري والترمذي، ويتأكد ذلك في حق الجنب، لما رواه ابن عمر رضي الله عنهما
قال يا رسول الله أينام أحدنا جنبا؟ قال: (نعم إذا توضأ) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب، غسل فرجه وتوضأ وضوءه للصلاة) رواه الجماعة.
(3) يستحب الوضوء للجنب: إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو يعاود الجماع، لحديث عائشة رضي

(1) بئر جمل: موضع يقرب من المدينة.

الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان جنبا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ) ، وعن عمار بن ياسر (أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام، أن يتوضأ وضوءه للصلاة) ، رواه أحمد والترمذي وصححه، وعن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ) رواه الجماعة إلا البخاري، ورواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم.
وزادوا (فإنه أنشط للعود) .
(4) يندب قبل الغسل، سواء كان واجبا أو مستحبا: لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة، يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة) ، الحديث رواه الجماعة.
(5) يندب من أكل ما مسته النار: لحديث إبراهيم بن عبد الله بن قارظ قال: مررت بأبي هريرة وهو يتوضأ فقال: أتدري مم أتوضأ؟ من أثوار أقط (1) أكلتها، لاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (توضئوا مما مست النار) ، رواه أحمد ومسلم والاربعة، وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (توضئوا مما مست النار) ، رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه.
والامر بالوضوء محمول على الندب لحديث عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة فاكل منها فأكل منها فدعى إلى الصلاة فقام وطرح السكين وصلى ولم يتوضأ) متفق عليه، قال النووي: فيه جواز قطع اللحم بالسكين.
(6) تجديد الوضوء لكل صلاة: لحديث بريدة رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة، فلما كان يوم الفتح توضأ ومسح على خفيه وصلى الصلوات بوضوء واحد، فقال له عمر.
يا رسول الله إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله!

(1) (من أثوار أقط) : هي قطع من اللبن الجامد.