سنن الوضوء

توضأ إلا مرتبا، والوضوء عبادة ومدار الامر في العبادات على الاتباع، فليس لاحد أن يخالف المأثور في كيفية وضوئه صلى الله عليه وسلم، خصوصا ما كان مضطردا منها.

سنن الوضوء:
أي ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل من غير لزوم ولا إنكار على من تركها.
وبيانها ما يأتي:
(1) التسمية في أوله: ورد في التسمية للوضوء أحاديث ضعيفة لكن مجموعها يزيدها قوة تدل على أن لها أصلا، وهي بعد ذلك أمر حسن في نفسه، ومشروع في الجملة.
(2) السواك: ويطلق على العود الذي يستاك به وعلى الاستياك نفسه، وهو دلك الاسنان بذلك العود أو نحوه من كل خشن تنظف به الاسنان، وخير ما يستاك به عود الاراك الذي يؤتي به من الحجاز، لان من خواصه أن يشد اللثة، ويحول دون مرض الاسنان، ويقوي على الهضم، ويدر البول، وإن كانت السنة تحصل بكل ما يزيل صفرة الاسنان وينظف الفم كالفرشة ونحوها.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لولا أن أشق على أمتي لامرتهم بالسواك عند كل وضوء،) رواه مالك والشافعي والبيهقي والحاكم.
وعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب) رواه أحمد والنسائي والترمذي.
وهو مستحب في جميع الاوقات ولكن في خمسة أوقات أشد استحبابا
(1) عند الوضوء.
(2) وعند الصلاة.
(3) وعند قراءة القرآن
(4) وعند الاستيقاظ من النوم
(5) وعند تغير الفم.
والصائم والمفطر في استعماله أول النهار وآخره سواء، لحديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا أحصي، يتسوك وهو صائم) رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
وإذا استعمل السواك، فالسنة غسله بعد الاستعمال تنظيفا له، لحديث عائشة

رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يستاك فيعطيني السواك، لاغسله فأبدأ به فأستاك ثم أغسله وأدفعه إليه) رواه أبو داود والبيهقي.
ويسن لمن لا أسنان له أن يستاك بإصبعه، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله الرجل يذهب فوه أيستاك؟ قال: (نعم) قلت: كيف يصنع؟ قال: (يدخل إصبعه في فيه) رواه الطبراني.
(3) غسل الكفين ثلاثا في أول الوضوء: لحديث أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فاستوكف ثلاثا) (1) رواه أحمد والنسائي، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في إناء حتى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده) رواه الجماعة.
إلا أن البخاري لم يذكر العدد.
(4) المضمضة ثلاثا: لحديث لقيط بن صبرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأت فمضمض (2)) رواه أبو داود والبيهقي.
(5) الاستنشاق والاستنثار ثلاثا: لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر) رواه الشيخان وأبو داود.
والسنة أن يكون الاستنشاق باليمنى والاستنثار باليسرى، لحديث علي رضي الله عنه (أنه دعا بوضوء (3) فتمضمض واستنشق (4) ونثر بيده اليسرى، ففعل هذا ثلاثا، ثم قال: هذا طهور نبي الله صلى الله عليه وسلم) رواه أحمد والنسائي.
وتتحقق المضمضة والاستنشاق إذا وصل الماء إلى الفم والانف بأي صفة، إلا أن الصحيح الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصل

(1) (فاستوكف) : أي غسل كفيه.
(2) (المضمضة) : إدارة الماء وتحريكه في الفم.
(3) الوضوء بفتح الواو: اسم الماء الذي يتوضأ به.
(4) (الاستنشاق) : إدخال الماء في الانف و (الاستنثار) اخراجه منه بالنفس

بينهما، فعن عبد الله بن زيد (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تمضمض واستنشق من كف واحد، فعل ذلك ثلاثا) وفي رواية (تمضمض واستنثر بثلاث غرفات) متفق عليه، ويسن المبالغة فيهما لغير الصائم، لحديث لقيط رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء؟ قال: (أسبغ الوضوء وخلل بين الاصابع، وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) رواه الخمسة، وصححه الترمذي.
(6) تخليل اللحية: لحديث عثمان رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته) رواه ابن ماجه والترمذي وصححه.
وعن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء، فأدخله تحت حنكه فخلل به، وقال: (هكذا أمرني ربي عزوجل) رواه أبو داود والبيهقي والحاكم.
(7) تخليل الاصابع: لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك) رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وعن المستورد بن شداد رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يخلل أصابع رجليه بخنصره) رواه الخمسة إلا أحمد.
وقد ورد ما يفيد استحباب تحريك الخاتم ونحوه كالاساور، إلا أنه لم يصل إلى درجة الصحيح، لكن ينبغي العمل به لدخوله تحت عموم الامر بالاسباغ.
(8) تثليث الغسل: وهو السنة التي جرى عليها العمل غالبا وما ورد مخالفا لها فهو لبيان الجواز.
فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء، فأراه ثلاثا ثلاثا وقال: (هذا الوضوء، فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم) رواه أحمد والنسائي وابن ماجه.
وعن عثمان رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا) رواه أحمد ومسلم والترمذي، وصح أنه صلى الله عليه وسلم

توضأ مرة مرة ومرتين مرتين، أما مسح الرأس مرة واحدة فهو الاكثر رواية.
(9) التيامن: (أي البدء بغسل اليمين قبل غسل اليسار من اليدين والرجلين، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب التيامن في تنعله (1) وترجله وطهوره، وفي شأنه كله) متفق عليه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا لبستم وإذا توضأتم فأبدءوا بأيمانكم (2) . رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي.
(10) الدلك: وهو إمرار اليد على العضو مع الماء أو بعده، فعن عبد الله بن زيد رضي
الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بثلث مد فتوضأ فجعل يدلك ذراعيه) رواه ابن خزيمة، وعنه رضي الله عنه، (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فجعل يقول هكذا: يدلك، رواه أبو داود الطيالسي وأحمد وابن حبان وأبو يعلى.
(11) الموالاة: (اي تتابع غسل الاعضاء بعضها إثر بعض) بألا يقطع المتوضئ وضوءه بعمل أجنبي، يعد في العرف انصرافا عنه وعلى هذا مضت السنة، وعليها عمل المسلمين سلفا وخلفا.
(12) مسح الاذنين: والسنة مسح باطنهما بالسبابتين وظاهرهما بالابهامين بماء الرأس لانهما منه.
فعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (مسح في وضوئه رأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وأدخل أصبعه في صماخي أذنيه) رواه أبو داود والطحاوي، وعن ابن عامر رضي الله عنهما في وصفه

(1) (التنعل: لبس النعل. والترجل: تسريح الشعر. والطهور: يشمل الوضوء والغسل.
(2) ايمانكم جمع يمين، والمراد اليد اليمنى أو الرجل اليمنى.

وضوء النبي صلى الله عليه وسلم (ومسح برأسه وأذنيه مسحة واحدة) ، رواه أحمد وأبو داود.
وفي رواية (مسح رأسه وأذنيه وباطنهما بالمسبحتين) (1) وظاهرهما بإبهاميه.
(13) إطالة الغرة والتحجيل: أما إطالة الغرة فبأن يغسل جزءا من مقدم الرأس، زائدا عن المفروض في غسل الوجه وأما اطالة التحجيل، فبأن يغسل ما فوق المرفقين والكعبين لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن
أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين (2) من آثار الوضوء) فقال أبو هريرة: فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل.
رواه أحمد والشيخان، وعن أبي زرعة (أن أبا هريرة رضي الله عنه دعا بوضوء فتوضأ وغسل ذراعيه حتى جاوز المرفقين، فلما غسل رجليه جاوز الكعبين إلى الساقين، فقلت: ما هذا؟ فقال: هذا مبلغ الحلية) رواه أحمد واللفظ له، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
(14) الاقتصاد في الماء وإن كان الاغتراف من البحر: لحديث أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع (3) إلى خمسة أمداد ويتوضأ بالمد) ، متفق عليه، وعن عبيد الله بن أبي يزيد أن رجلا قال لابن عباس رضي الله عنهما: (كم يكفيني من الوضوء؟ قال مد، قال كم يكفيني للغسل؟ قال صاع، فقال الرجل: لا يكفيني، فقال: لا أم لك قد كفى من هو خير منك: رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير بسند رجاله ثقات، وروي عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ

(1) (بالمسبحتين) أي السبابتين.
(2) أصل الغرة: بياض في جبهة الفرس و (التحجيل، بياض في رجله والمراد من كونهم يأتون غرا محجلين، أن النور يعلو وجوههم وأيديهم وأرجلهم يوم القيامة وهما من خصائص هذه الامة.
(3) (الصاع) : أربعة أمداد و (المد) 128 درهما وأربعة أسباع الدرهم 404 سم 3.

فقال: (ما هذا السرف يا سعد؟! فقال: وهل في الماء من سرف؟ قال: (نعم وإن كنت على نهر جار) رواه أحمد وابن ماجه وفي سنده ضعف، والاسراف يتحقق باستعمال الماء لغير فائدة شرعية، كأن يزيد في الغسل على الثلاث، ففي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء فأراه ثلاثا ثلاثا، قال: (هذا الوضوء، من زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم) رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة بأسانيد صحيحة، وعن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنه سيكون في هذه الامة قوم يعتدون في الطهور والدعاء) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.
قال البخاري: كره أهل العلم في ماء الوضوء أن يتجاوز فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
(15) الدعاء أثناء: لم يثبت من أدعية الوضوء شئ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير حديث أبي موسى الاشعري رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ فسمعته يقول يدعو: (اللهم اغفر لي ذنبي، ووسع لي في داري، وبارك لي في رزقي) فقلت: يا نبي الله سمعتك تدعو بكذا وكذا قال: (وهل تركن من شئ؟) رواه النسائي وابن السني بإسناد صحيح، لكن النسائي أدخله في (باب ما يقول بعد الفراغ من الوضوء) وابن السني ترجم له (باب ما يقول بين ظهراني وضوئه) ، قال النووي وكلاهما محتمل.
(16) الدعاء بعده: لحديث عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) رواه مسلم، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك كتب في رق ثم

جعل في طابع فلم يكسر إلى يوم القيامة) رواه الطبراني في الاوسط، ورواته رواة الصحيح، واللفظ له ورواه النسائي وقال في آخره: (ختم عليها بخاتم فوضعت تحت العرش فلم تكسر إلى يوم القيامة) وصوب وقفه.
وأما دعاء: (اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين، فهي في رواية الترمذي، وقد قال في الحديث وفي إسناده اضطراب، ولا يصح فيه شئ كبير.
(17) صلاة ركعتين بعده: لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبلال: (يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الاسلام إني سمعت دف نعليك (1) بين يدي في الجنة.
قال: ما عملت عملا أرجى عندي من اني لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي) .
متفق عليه، وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين يقبل بقلبه ووجهه عليهما إلا وجبت له الجنة) رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه، وعن حمران مولى عثمان: أنه رأى عثمان بن عفان رضي الله عنه دعا بوضوء فأفرغ عى يمينه من إنائه فغسلها ثلاث مرات، ثم أدخل يمينه في الوضوء ثم تمضمض واستنشق واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاثا، ويديه إلى المرفقين ثلاثا، ثم غسل رجليه ثلاثا، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوئي هذا) ، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
وما بقي من تعاهد موقي العينين وغضون الوجه، ومن تحريك الخاتم، ومن مسح العنق، لم نتعرض لذكره، لان الاحاديث فيها لم تبلغ درجة الصحيح، وإن كان يعمل بها تتميما للنظافة.

(1) (الدف) بالضم: صوت النعل حال المشي.