الباب الأول : تأويل رؤيا العبد نفسه بين يدي ربه عز وجل في منامه

أخبرنا أبو القاسم الحسين بن هارون بِعَكّا قال حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الأوزاعي قال أخبرني عبد الرحمن بن واصل أبو زرعة الحاضري قال حدثنا أبو عبد الله التتري قال رأيت في منامي كأنّ القيامة قد قامت وقمت من قبري فأتيت بدابة فركبتها ثم عرج بي إلى الْسماء فإذا فيها جنة وأردت أن أنزل فقيل لي ليس هذا مكانك فعرج بي إلى سماء سماء في كل سماء منها جنة حتى صرت إلى أعلى عليين ثم أردت أن أقعد فقيِل لي تقعد قبل أن ترى ربك عزّ وجلّ قلت لا فقمت فساروا بي فإذا بالله تبارك وتعالى قدامه آدم عليه السلام فلما رآني آدم أجلسني يمينه جلسة المستغيث قلت يا رب قد أفلجت على الشّيخ بعفوك فسمعت الله تعالى يقول قم يا آدم قد عفونا عنك (أخبرنا) أبو علي الحسن ابن محمد الزبير قال حدثنا محمد بن المسيب قال حدثنا عبد الله بن جنيف قال حدثني ابن أخت بشر بن الحارث قال جاء رجل إلى بشر فقال أنت بشر بن الحارث قال
نعم قال رأيت الرب عز وجلّ في المنام وهو يقول ائت بشراَ فقل له لو سجدت لي على الجمر ما أديت شكري لما بينت اسمك في الناس (أخبرنا) أحمد بن أبي عمر أن الصوفي بمكة حرسها الله تعالى قال أخبرني أبو بكر الطرسوسي قال: قال عثمان الأحوال تلميذ الخراز بات عندي أبو سعيد فلما مضى ثلث الليل صاح بي يا عثمان قم فأسرج فقمت فأسرجت فقال لي ويحك رأيت الساعة كأني في الآخرة والقيامة قد قامت فنوديت فأوقفت بين يدي ربي وأنا أرعد لم يبق على شعرة إلا قد قامت فقال أنت الذي تشير إلي في السماع إلى سلمى وبثينة لولا أعلم أنّك صادق في ذلك لعذبتك عذاباً لا أعذبه لأحد من العالمين (قال الأستاذ أبو سعيد) رضي الله عنه من رأى في منامه كأنه قائم بين يدي الله تعالى والله تعالى ينظر إليه فإن كان الرائي من الصالحين فرؤياه رؤيا رحمة وإن لم يكن من الصالحين فعليه بالحذر لقوله تعالى {يوم يَقُومُ النَاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ} فإن رأى كأنه يناجيه أكرم بالقرب وحبب إلى الناس قال الله تعالى {وقَرّبْناهْ نَجيّاً} وكذلك لو رأى أنّه ساجد بين يدي الله تعالى لقوله تعالى {واسْجُدْ واقْتَرِبْ} فإن رأى أنّه يكلمه من وراء حجاب حسن دينه وأدى أمانة إن كانت في يديه وقوي سلطانه وإن رأى أنّه يكلمه من غير حجاب فإنّه يكون خطأ في دينه لقوله تعالى {وَمَا كَانَ لبشر
أن يكلمه الله إلا وَحْياً أوْ مِنْ وراءِ حِجَاب} فإن رآه بقلبه عظيماً كأنه سبحانه قرَّبه وأكرمه وغفر له أو حاسبه أو بشره ولمً يعاين صفة لقي الله تعالى في القيامة كذلك فإن رآه تعالى قد وعده بالمغفرة والرحمة كان الوعد صحيحا لاشك فيه لأنّ الله تعالى لا يخلف الميعاد ولكنه يصيبه بلاء في نفسه أو معيشته ما دام حياً فإن رآه تعالى كأنه يعظه انتهِى عما لا يرضاه الله تعالى لقوله تعالى {يَعِظُكُمْ لعَلّكُمْ تَذَكّرونَ} فإن كساه ثوباَ فهو هم وسقم ما عاش ولكنه يستوجب بذلك الشكر الكثير فقد حكي أنّ بعض الناس رأى كأن الله كساه ثوبين فلبسهما مكانه فسأل ابن سيرين فقال استعد لبلائه فلم يلبث أن جذم إلى أن لقي الله تعالى فإن رأى نوراً تحير فيه فلم يقدر على وصفه لم ينتفع بيديه ما عاش فإن رأى أنّ الله تعالى سماه باسمه أو اسم آخر علا أمره وغلب أعداءه فإن أعطاه شيئاً من متاع الدنيا فهو بلاء يستحق به رحمته فإن رأى كأن الله تعالى ساخط عليه فذلك يدل على سخط والديه عليه فإن رأى كأنّ أبويه ساخطان عليه دل ذلك على سخط الله عليه لقوله عز اسمه {اشْكُرْ لي ولِوالِدَيْكَ} وقد روي في بعض الأخبار رضا الله تعالى في رضا الوالدين وسخط الله تعالى في سخط الوالدين وقيل (من رأى) كأن الله تعالى غضب عليه فإنّه يسقط من مكان رفيع لقوله تعالى {
ومن يَحلِلْ عَلَيْهِ غَضبيَ فَقَدْ هَوَى} . ولو رأى كأنه سقط من حائط أو سماء أو جبل دل على غضب الله تعالى عليه فإن رأى نفسه بين يدي الله عز وجل في موضع يعرفه انبسط العدل والخصب في تلك البقعة وهلك ظالموها ونصر مظلوموها فإن رأى كأنه ينظر إلى كرسي الله تبارك وتعالى نال نعمة رحمة فإن رأى مثالاً أو صورة فقيل له إنّه إلهك أو ظن أنّه إلهه سبحتنه فعبده وسجد له فإنّه منهمك في الباطل على تقدير أنّه حق وهذه رؤيا من يكذب على الله تعالى فإن رأى كأنه يسب الله تعالى فإنّه كافر لنعمة ربه عز وجل غير راضٍ بقضائه.