باب النجوم السيارة

وهي سبعة : الشمس والقمر ، والخمس الدّراري التي تسمّى الخنّس ، وتسمّى المتحيّرة أيضا ، وهي : زحل والمشتري والمرّيخ والزّهرة وعطارد. وهي تسير كلّها من المغرب إلى المشرق وذلك (سيرها المستقيم في فلك) البروج ، (ثم) يحملها سرعة سيرها (١) من المشرق إلى المغرب فتغيب بها وتطلع (٢).

وإنّما سمّيت الخمسة خنّسا ومتحيّرة لأنها تسير في الفلك من المغرب إلى المشرق ، وذلك سيرها المستقيم. ثم تقهقر راجعة في طريقها ، فتسير من المشرق إلى المغرب. فبينا يرى أحدها في آخر البروج كرّ راجعا نحو أوّله. وكلّ من استمرّ في طريق ثم رجع فقد خنس. ولذلك سمّي الشيطان ، لعنه الله ، خنّاسا (٣) ، لأنه يوسوس ، فإذا ذكر الله عزوجل خنس ، أي أدبر راجعا.

ويشبّه (٤) المنجّمون هذه الكواكب في رجوعها بمن تحيّر في سيره ، فلم يدر أي جهة يقصد إليها. فهو يقبل في طريقة ويدبر. فلذلك سمّوها متحيّرة.

وسير هذه الكواكب في الفلك مختلف. فيزعم أهل الحساب أنّ ما كان منها فوق الشمس فهو أبطأ سيرا ؛ وما كان دون الشمس فهو أسرع سيرا. وقالوا : فأعلاها زحل ، وتحته المشتري ، وتحت المشتري المرّيخ ، وتحت المريخ الشمس ، وتحت

__________________

(١) في الأصل المخطوط : سيره.

(٢) في الأصل المخطوط : فيغيب بها ويطلع.

والجملة غير واضحة المعنى تماما ، كأنه قد سقط منها شيء لم نهتد إليه. والفقرة التالية توضح معناها على كل حال.

(٣) إشارة إلى قوله تعالى : (مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ ، الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) سورة الناس ١١٤ / ٤ ـ ٥.

(٤) في الأصل المخطوط : تشبه.

 

الشمس الزّهرة ، وتحت الزّهرة عطارد ، وتحت عطارد القمر ، وهو أدناها إلى الأرض ، وأسرعها سيرا. والشمس متوسّطة ، ثلاثة فوقها ، وثلاثة تحتها.

ذكر الشمس

الشمس تقطع الفلك في كل سنة عجميّة (١) مرة واحدة. وتقيم في كل برج من البروج الشّمالية أحدا وثلاثين يوما. ومنها ما تقيم (٢) فيه تسعة وعشرين يوما وجزءا من يوم.

وقطعها للمنازل مختلف أيضا ، لأن أبعاد المنازل مختلفة فمنها ما يقرب بعضه من بعض ، ومنها ما يبعد. إلّا أنّ الناس قد قسموا أيام الشمس عليها بالسواء ، فجعلوا مدّة طلوع المنزلة ومدّة سقوطها (ومدة طلوع المنزلة التالية ومدة سقوطها واحدا). وإنما استعملوا ذلك على التقريب ، ولم يطلبوا الحقيقة.

وللشمس عند العرب أسماء ، منها ذكاء ، ممدود لا ينصرف ، سمّيت بذلك لأنها تذكو كما تذكو النار. ولذلك قيل للصبح ابن ذكاء ، لأنه من ضوئها ، ومن أسمائها أيضا الغزالة ، وبوح (٣) وبراح (٤) ، والجونة ؛ سمّيت جونة لشدة بياضها ، والجون أيضا الأسود ، وهو من الأضداد. ومن أسمائها الإلهة ، ويقال لاهة ، بغير ألف ولام ، قال الشاعر :

__________________

(١) يريد سنة شمسية.

(٢) في الأصل المخطوط : يقيم ، وهو غلط.

(٣) بوح : معرفة مؤنث ، وسميت الشمس بذلك لظهورها. وقيل : بوح ، بياء بنقطتين (اللسان : بوح).

(٤) براح : معرفة مؤنث ، على فعال ، مثل قطام ، وسميت الشمس بذلك لانتشارها وبيانها.

ويقال للشمس إذا غربت : دلكت براح ، على فعال ، والمعنى أنها زالت وبرحت حين غربت ، فبراح بمعنى بارحة. ويقال براح أيضا (اللسان : برح)

 

 

تروّحنا من اللّعباء قصرا

 

فأعجلنا الإلهة أن تئوبا

ولا تسمّى الشمس الغزالة إلا في ارتفاع النهار خاصّة.

وقد قيل إنّ الغزالة ارتفاع النهار نفسه. يقال لقيت فلانا غزالة الضّحى ؛ أي في وقت مدّ الضّحى وارتفاع النهار.

ويقال : ذرّت الشمس ذرورا ، وشرقت شروقا ، إذا طلعت. فإذا استقلّت وخلص ضوؤها قيل : قد أشرقت إشراقا ، وبزغت بزوغا.

وقرن الشمس أوّل ما يبدو منها في الطلوع.

وحواجبها : نواحيها. وأياتها وإياؤها ضوأها وشعاعها. والصبح ما يقع على الأرض من ضوئها.

ويقال : ركدت الشمس ركودا ، إذا تكبّدت السماء ، ويتوهّمون أنّ لها حينئذ وقفة وإمساكا عن السير. قال ذو الرّمّة (١) :

__________________

(١) هو أبو الحارث غيلان بن عقبة ، وذو الرمة لقب له ، شاعر إسلامي مشهور ، ترجمته في طبقات الشعراء ٤٦٥ ـ ٤٨٤ ، والشعراء ٥٠٦ ـ ٥٢١ ، والأغاني ٥ / ٣٦ ـ ٣٧ ، ١٦ / ١٠٦ ـ ١٢٥ ، والخزانة ١ / ٥١ ـ ٥٣.

 

والشّمس حيرى ، لها في الجوّ تدويم (١).

ويقولون حينئذ : قد صام النهار ، وصامت الشمس ، أي وقفت :

فإذا زالت الشمس عن وسط السماء قيل : قد دحضت ودلكت. ويكون ذلك أيضا بمعنى غابت.

فإذا انحدرت إلى الأفق ، وقاربت المغيب قيل : قد جنحت وصافت وطفلت وأربت.

فإذا غابت قيل : قد دلكت ، ووجبت ، وغارت ، وغربت ، ووقبت ، وقبنت. ومعنى وقبت دخلت في الأفق. وكلّ داخل في شيء فهو واقب فيه. ومنه قول الله عزوجل (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ)(٢).

وقد جعل الله تعالى في مسير الشمس وانتقالها في البروج علما لانتقال الزمان ، واختلاف أحواله في الطول والقصر ، والحرّ والبرد.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : حرى ، وهو تصحيف.

والشطر عجز بيت من قصيدة لذي الرمة مطلعها :

أعن ترسّمت من خرقاء منزلة

 

ماء الصّبابة من عينيك مسجوم

وصدر البيت مع صلته قبله :

يضحي بها الأرقش الجون القرا غردا

 

كأنّه زجل الأوتار مخطوم

معروريا رمض الرضراض يركضه

والبيتان في صفة الجندب. ومعروريا رمض الرضراض : أي راكبا الرمض. والرمض : حر الشمس على الحجارة والرمال.

*********

والرضراض : الحصى الصغار. يركضه : أي يضربه برجله. والتدويم : الوقوف ، وهو يريد مجرى تلك الوقفة التي ذكرها المؤلف. والقصيدة في ديوان ذي الرمة ٥٦٧ ـ ٥٨٩ والبيت وحده في اللسان (رمض ، دوم ، جوا ، نزا) ، والتاج (ركض ، رمض ، دوم). والشطر في الأنواء ١٣٨ ، والشعراء ٧٧٥.

(٢) تمام الآية : (قُلْ : أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ، مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ ، وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ ...) سورة الفلق ١١٣ / ١ ـ ٣.

 

فإذا حلّت الشمس بأوّل جزء من الحمل طلعت من مشرق الاستواء ، وهو قريب من مطلع السّماك الأعزل. وحينئذ يعتدل الزمان ، ويستوي الليل والنهار. ثم تأخذ (١) في الصعود إلى الشّمال ، فلا تزال تتقدم (٢) في كل يوم شيئا ، فتطلع من موضع غير الموضع الذي طلعت منه بالأمس ، حتى تنتهي (٣) إلى قريب من مطلع السّماك الرّامح ، وهو مشرقها الأعلى ، وذلك غاية صعودها. حينئذ يشتدّ الحرّ ، وينتهي طول النهار وقصر الليل إلى غايتهما. والشمس إذ داك في أوّل جزء من السّرطان.

ثم ترجع هابطة من حيث جاءت. فتطلع من مطالعها الأول نفسه ، أعني التي طلعت منها في حال صعودها. فلا تزال تطلع كلّ يوم من مطلع منها ، حتى تنتهي (٤) إلى مشرق (٥) الاستواء عند حلولها بأوّل جزء من الميزان. فيعتدل الزمان ثانية ، ويستوي الليل والنهار.

ثم تمضي هابطة في الجنوب. فلا تزال تتقدّم شيئا شيئا ، حتى تنتهي إلى قريب من مطلع قلب العقرب ، وهو مشرقها الأسفل ، وذلك غاية هبوطها. وحينئذ يشتدّ البرد ، وينتهي طول الليل وقصر النهار إلى غايتهما. والشمس إذ ذاك في أوّل جزء من الجدي.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : يأخذ ، وهو غلط.

(٢) في الأصل المخطوط : يزال يتقدم ، وهما غلط.

(٣) في الأصل المخطوط : ينتهي ، وهو غلط.

(٤) في الأصل المخطوط : ينتهي ، وهو غلط.

(٥) في الأصل المخطوط : شرق ، وهو تصحيف.

 

ثم ترجع صاعدة في الجنوب على المواضع التي طلعت منها في حين هبوطها ، حتى تنتهي إلى مشرق الاستواء عند حلولها بأوّل جزء من الحمل ، ويعود الزمر على ما كان في السنة الأولى. وذلك دأبها أبدا.

قال الله عزوجل : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها)(١) ، يريد غاية منتهاها في المشرق الذي إذا بلغته رجعت ..

وقال عزوجل : (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ)(٢) ، يعني مشرق الشمس الأعلى في الصيف ، ومشرقها الأسفل في الشتاء. وقال تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ)(٣) ، وهي مشارق الأيام التي تطلع الشمس كلّ يوم من مشرق منها ، وهي بين المشرقين اللّذين هما غاية لها. وأمّا المغارب فإنّ الشمس إذا طلعت من مشرق من المشارق غابت في الموضع المقابل له من المغرب. فلها من المغارب عدد ما لها من المشارق.

ذكر القمر

القمر يقطع الفلك في كل شهر عربي مرة. ويقطع في كلّ ليلتين وثلث برجا ، وفي كل ليلة منزلة. ويقارن الشمس في آخر كلّ شهر. ثم يفارقها من جهة المغرب. ويبدو للأبصار عشاء فيسمّى هلالا إلى تمام ثلاث ليال. ثم يسمّى بعد ذلك قمرا حتى ينقضي الشهر.

__________________

(١) سورة يس ٣٦ / ٣٨.

(٢) سورة الرحمن ٥٥ / ١٧.

(٣) سورة المعارج ٧٠ / ٤٠.

 

ولا يزال من حين يهلّ زائدا في النور حتى يبلغ ثلاث عشرة ، فتسمّى الليلة ليلة السّواء لاستوائه فيها. ثم يقابل الشمس ليلة أربعة عشر. فيطلع عند غروبها ، ويغرب عند طلوعها. ويسمّى حينئذ بدر التّمام ؛ لامتلائه من النور. (و) قيل : لأنه يبادر الشمس بالطلوع والغروب.

ثم يأخذ في النقصان حتى يمحق ويستسرّ. واستسراره أن يدخل في شعاع الشمس ، فيخفى عن الأبصار فلا يرى. فإن كان الشهر تسعة وعشرين استسرّ ليلة ثمان وعشرين ، وإن كان ثلاثين استسرّ ليلة تسع وعشرين. وتسمّى (١) تلك الليلة ليلة المحاق ، وهي ليلة السّرار أيضا. يقال : سرار الشهر ، وسراره وسرره بمعنى واحد. قال الشاعر :

تلقّى نوءهنّ سرار شهر

 

وخير النّوء ما لقي السّرارا (٢).

وكانوا يستحبّون المطر في سرار الشهر ، ويرجون غزارته إذا وقع فيه.

وكلّ ثلاث من ليالي الشهر مسمّاة باسم ؛ على حسب حالة القمر فيها.

فأوّلها ثلاث غرر ، ثم ثلاث نفل ، ثم ثلاث تسع ، ثم ثلاث عشر ، ثم ثلاث بيض ، ثم ثلاث درع ، ثم ثلاث ظلم ، ثم ثلاث حنادس ، ثم ثلاث دآدئ ، ثم ثلاث محاق.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : ويسمى.

(٢) البيت في الأنواء ١٨٠ منسوبا إلى الراعي ، وهو في الأزمنة ٢ / ٥٤.

 

وتسمّى الغرر الغرّ أيضا ، لأن ضوء الهلال في أوائلها بمنزلة الغرة فيها. وقيل : سمّيت غررا (١) ، لأن فيها غرّة الشهر ، وهي أوّل ليلة منه.

وكذلك التّسع لأن فيها الليلة التاسعة.

والعشر سمّيت عشر ، لأن فيها الليلة العاشرة.

وسمّيت البيض بيضا ، لابيضاضهنّ بضوء القمر ، فليس في أولهن ولا في آخرهن ظلمة.

وبعدهن الدّرع ، سمّين درعا ، لأن القمر يتأخر (٢) طلوعه فيهن قليلا ، فاسودّت أوائلهن ، وابيضّ سائرهن ، فسمّين لذلك درعا ، كما يقال : شاة درعاء ، إذا اسودّ رأسها ، وابيضّ سائرها.

ثم الظّلم سمّيت ظلما لتزايد الظّلمة في أوائلهن.

ثم الحنادس ، وهي الشديدات السّواد ، لأن القمر إنما يطلع في أواخرهن ، فالظلام مستول على جلّهنّ.

ثم الدّآدئ وهي التي في أواخرهن بقايا ضوء القمر.

والدّادأ البقية. ثم المحاق وهي التي يمحق فيها القمر.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : غرر ، وهو غلط.

(٢) في الأصل المخطوط : ياخر ، وهو تصحيف.

 

ويقال لليلة ثمان وعشرين الدّعجاء ، ولليلة تسع وعشرين الدّهماء ، ولليلة ثلاثين اللّيلاء.

ويقال للقمر الزّبرقان ، وللدارة التي تحيط به الهالة. ويقال لضوئه الفخت (١).

وإذا حلّ القمر بالمنزلة مقارنا لها قيل : قد كالح القمر ، وهي المكالحة. وكانوا يكرهون ذلك ، ويستحبّون أن ينزل بالفرجة بين المنزلتين ، إلّا الفرجة التي بين الثريّا والدّبران فإنهم يكرهون نزوله بها دون سائر الفرج (٢).

وربما خطرف (٣) القمر المنزلة فنزل بالتي تليها. وربما قصّر عنها فنزل دونها. وربما عدل عن المنزلة (٤) فنزل بغيرها مما يتّصل بها. فمن ذلك الهنعة ، ربما عدل عنها فنزل بالتّحايي (٥) ، ومن الناس من يعدّ التّحايي من الهنعة. وربما عدل عن الذراع فنزل بالذراع الأخرى (٦). وربما عدل عن السّماك فنزل بعرش السّماك. وربما

__________________

(١) في الأصل المخطوط : الفحت ، وهو تصحيف ، والتصويب من الأزمنة ٢ / ٥٦ واللسان (فخت).

(٢) تسمى هذه الفرجة ضيقة لضيقها ، وهي نجمان صغيران متقاربان ، وتعتبر موضع نحس عندهم ، ولذلك كرهوها. أنظر الأنواء ٣٨ ـ ٣٩ ، ٨٦ ، والمخصص ٩ / ١٢ ، والأزمنة ١ / ١٩٦ ـ ١٩٧.

(٣) خطرف : بمعنى جاوزه وتعداه هاهنا ، من خطرف البعير في مشيه إذا وسع خطوه يجعل خطوتين خطوة واحدة.

(٤) في الأصل المخطوط : المنزل ، وصوبناه لموافقة المؤلف على ما درج على استعماله وإلا فالمنزل والمنزلة جائزان هاهنا.

(٥) التحايي : ثلاثة كواكب حذاء الهنعة ، واحدها تحياة ، وهي بين المجرة وبين توابع العيوق. وكان أبو زياد الكلابي يقول التحايي هي الهقعة. أنظر الأنواء ٤٢ ، ٨٦ ، والأزمنة ١ / ١٨٩ ، والآثار الباقية ٣٤٢ ، ٣٥١ ، واللسان (حيا.

(٦) القمر ينزل بالذراع المقبوضة ، وإذا عدل عنها نزل بالذراع المبسوطة ، وهما ذراعا الأسد. أنظر الأنواء ٤٨ ، ٤٩ ، والمعجم الفلكي ٣٨.

 

قصّر عن الشّولة فنزل بالفقار (١) فيما بين القلب والشّولة. وربما عدل عن البلدة فنزل بالقلادة (٢). وربما قصّر عن الفرغ (٣) الثاني فنزل بالكرب (٤) ، وهو وسط الفرغين (٥). وربما نزل ببلدة الثعلب بين (٦) الدّلو والسّمكة.

ويغيب الهلال أول ليلة من الشهر لستة أسباع ساعة تمضي من الليل. ثم يتأخّر مغيبه كلّ ليلة مقدار ستة أسباع ساعة حتى يكون مغيبه في الليلة السابعة نصف الليل ، وفي ليلة أربعة عشر مع طلوع الشمس. وقد يتقدّم ذلك أحيانا ويتأخّر على قدر سرعة القمر وإبطائه ، وتمام الشهر ونقصانه. ثم يتأخر طلوعه ليلة خمسة عشر مقدار ستة أسباع ساعة. ويزيد تأخّره مثل ذلك حتى يكون طلوعه ليلة إحدى وعشرين نصف الليل.

ويطلع ليلة ثمان وعشرين مع الفجر. ثم يستسرّ. وربما استسرّ ليلة ثمان وعشرين فلا يرى في صبحتها. وإذا رئي في صبحة ليلة ثمان وعشرين كان ذلك دليلا على تمام الشهر في الأغلب. وربما رئي بالغداة في يوم ثمانية وعشرين ، ثم يكون الشهر مع ذلك ناقصا. والذي لا يمكن وقوعه أن يرى الهلال بالغداة في المشرق ، وبالعشيّة في المغرب في يوم واحد. وإنما يمكن ذلك في يومين. فأما في ثلاثة فلا شكّ فيه. فإذا كان ذلك في ثلاثة فهو حين يستسرّ ليلتين. فاعلم ذلك ، إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) الفقار : ستة كواكب ، كل كوكب منها فقرة ، وهي في ذنب العقرب أنظر الأنواء ٨٦ ، والأزمنة ١ / ١٩٤.

(٢) القلادة : ستة كواكب مستديرة صغار خفية ، تشبه بالقوس ، ويسميها قوم القوس ، وتسمى الأدحي. أنظر الأنواء ٧٥ ، والأزمنة ١ / ٩٤.

(٣) في الأصل المخطوط : الفرع ، وهو تصحيف.

(٤) أنظر الأنواء ٨٦ ، والأزمنة ١ / ١٩٦. والكرب من الدلو : ما شد به الحبل من العراقي ، وهو وسطها.

(٥) في الأصل المخطوط : الفرعين ، وهو تصحيف.

(٦) في الأصل المخطوط : من ، وهو تصحيف ، والتصويب من الأنواء ٨٦ ، والأزمنة ١ / ١٩٦.

 

ذكر الكواكب الخنّس

أوّلها زحل. ويقال له كيوان ، وفي لونه صفرة. وهو بطيء السير ، يقطع الفلك في ثلثين سنة. ويقيم في كل برج سنتين ونصفا. وتقارنه (١) الشمس في كل سنة مرة ، ثم تفارقه. ويمكث مستترا بشعاعها نيّفا وعشرين يوما ، ثم يظهر من جهة المشرف ، فيرى بالغداة. وهو في ذلك مستقيم السير. فلا يزال مستقيما حتى يكون بينه وبين الشمس أربعة أبراج غير ثلث.

وذلك عند تمام أربعة أشهر من يوم فارقته الشمس ، فيقهقر حينئذ راجعا إلى أن تلحقه الشمس في السنة الثانية.

ثم المشتري. ويسمّى البرجيس ، وهو كوكب أبيض كبير ، يشبه الزّهرة. ويقطع الفلك في اثنتي عشرة (٢) سنة ، يقيم في كل برج سنة. ويقارن زحل في عشرين سنة. وتقارن الشمس المشتري في كل سنة مرة ، ثم تفارقه. ويقيم تحت شعاعها عشرين يوما. ثم يظهر من المشرق بالغداة ، وهو مستقيم السير. فلا يزال مستقيما حتى يصير بينه وبين الشمس أربعة أبراج ، وذلك عند تمام أربعة أشهر ونصف من يوم فارقته الشمس ، فحينئذ يقهقر راجعا ، ويقيم في الرجوع أربعة أشهر. ثم يستقيم فتلحقه الشمس في السنة الثانية ، وهو مستقيم.

ثم المرّيخ. ويسمّى بهرام. وهو كوكب أحمر شديد الحمرة. ولذلك يسمّيه (٣) المنجمون الأحمر. وهو يقطع الفلك في سنتين. ويقيم في كل برج سبعة وأربعين يوما إذا أسرع. وربما أقام في البرج شهرين ونصفا إذا أبطأ. وهذا إذا كان مستقيما. فأمّا إذا رجع في برج فإنه يقيم (فيه) ستة أشهر.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : يقارنه.

(٢) في الأصل المخطوط : اثني عشر ، وهو غلط.

(٣) في الأصل المخطوط : كذلك تسميه ، وهما غلط.

 

وتقارنه الشمس من سنتين إلى سنتين ، ثم تفارقه. ويقيم تحت شعاعها مقدار شهرين. ثم يظهر بالغداة طالعا من المشرق ، وهو مستقيم السير. فلا يزال مستقيما حتى يصير بينه وبين الشمس أربعة أبراج وثلث. وذلك على مضيّ أحد عشر شهرا ونصف من حين فارقته الشمس. فإذا تباعدت الشمس عنه بهذا المقدار فهو حينئذ راجع (١). ويقيم في الرجوع ستة وستين يوما. ثم يستقيم. فإذا مضى له أحد عشر شهرا ونصف من يوم استقامته لحقته الشمس.

ثم الزّهرة ، وهي أعظم الكواكب منظرا ، وأشدّها بياضا ونورا. وهي تقطع الفلك في كلّ سنة مرة واحدة ، مثل الشمس ، إلّا أنها تسرع تارة ، فتقيم في البرج خمسة وعشرين يوما ونحوها ، وتبطئ تارة ، فتقيم في البرج أكثر من شهر. ولا ترى في وسط السماء ، إنما هي أبدا بين يدي الشمس ، أو خلفها. فمتى كانت خلف الشمس في المغرب فهي مستقيمة. ومتى ظهرت من جهة المشرق ، بين يدي الشمس ، فهي راجعة.

وهي تقارن الشمس من عشرة أشهر إلى عشرة أشهر ، تقارنها وهي مستقيمة. ثم تفارقها من جهة المغرب. وتقيم تحت شعاعها نحوا من أربعين ليلة. ثم تظهر بالعشيّات في المغرب ، وهي مستقيمة سريعة السير ، وتسمّى مغرّبة. ولا تزال كذلك حتى تتباعد من الشمس بمقدار برج ونصف. فتأخذ حينئذ في الإبطاء حتى تكون الشمس أسرع منها. ثم تقهقر راجعة نحو الشمس. وذلك عند تمام تسعة أشهر من يوم فارقت الشمس. فتقارن الشمس ثانية وهي راجعة. وذلك بعد اثنين وعشرين يوما من جهة المشرق. فترى بالغدوات ،

 

وتسمّى مشرّقة ؛ وهي في ذلك راجعة ، إلى تمام اثنين وعشرين يوما من مفارقتها للشمس. ثم تستقيم وتقيم بعد أن استقامت ، وهي تطلع آخر الليل ، نحوا من ثمانية أشهر ، حتى تلحق الشمس ، وهي مستقيمة ، ويعود حالها إلى ما وصفناه أوّلا.

ثم عطارد. وهو كوكب في جرم زحل. وهو أبدا تحت شعاع الشمس مشرّقا أو مغرّبا ، أو مع الشمس في موضع واحد. فإذا كان مغرّبا فهو مستقيم. وإن كان مشرّقا فهو راجع. وربما تباعد عن الشمس وهو مشرّق أو مغرّب ، فيظهر.

وهو يقطع الفلك في سنة ، مثل الشمس والزّهرة. ويقيم في البرج الواحد سبعة عشر يوما إذا أسرع ، وكان مستقيما. وربما أقام في البرج الواحد قريبا من شهرين إذا كان راجعا.

وهو يرجع في السنة ثلاث مرّات ، ويغرّب ثلاث مرّات ، ويشرّق ثلاث مرّات ، فصار لأجل ذلك يقارن الشمس ست مرات في كل سنة ، يقارنها (١) من جهة المشرق ، وهو مستقيم ، ثم يفارقها من جهة المغرب ، ويسير بعد مفارقتها ستة وأربعين يوما. ثم يرجع نحو الشمس ، فيقارنها (٢) وهو راجع وذلك بعد أحد عشر يوما من رجوعه. ثم يفارق الشمس من جهة المشرق ، وهو راجع. ويستقيم بعد أحد عشر يوما من مفارقته الشمس. ثم يستتر ، ويستقيم ستة وأربعين يما فيقارن الشمس من جهة المشرق ، وهو مستقيم. يكون هذا منه في السنة ثلاث مرّات ، يقارن الشمس فيها ستّ مرّات.

__________________

(١) في الأصل المخطوط : يفارقها ، وهو تصحيف.

(٢) في الأصل المخطوط : فيفارقها ، وهو تصحيف.

 

فعلى هذا سيره وسير ما قدّمنا ذكره من الدّراري الخمسة. قال الله عزوجل : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ)(١). قيل : أراد هذه الكواكب الخمسة ، وسمّاها جواري لأنها سيّارة ، تجري في الفلك ، كما تجري الشمس والقمر. وسمّيت خنّسا لأنها تخنس في سيرها ، أي تدبر راجعة في طريقها. وقيل لها الكنّس لأنها تستتر بضياء الشمس ، كما تكنس (٢) الظّباء.

__________________

(١) سورة التكوير ٨١ / ١٥ ، ١٦.

(٢) تكنس : أي تدخل في الكنس وقت الهاجرة من شدة الحر. وواحد الكنس كناس وهو يكون في أصول الشجر.