المستضىء بأمر الله الحسن

المستضىء بأمر الله الحسن أبو محمد بن المستنجد بالله ولد سنة ست وثلاثين وخمسمائة وأمه أم ولد أرمنية اسمها غضة بويع له بالخلافة يوم موت أبيه قال ابن الجوزى فنادى برفع المنكوس ورد المظالم وأظهر من العدل والكرم ما لم نره في اعمارنا وفاق مالا عظيما على الهاشمين والعلوين والعلماء والمدارس ولربط وكان دائم البذل للمال وليس له عنده وقع ذا حلم وأناه ورأفة ولما استخلف خلع على ارباب الدولة وغيرهم فحكى خياط المخزن أنه فصل الفا وثلثمائة قباء إبريسم وخطب له على منابر بغداد ونثرت الدنانير كما جرت العادة وولى روح بن الحديثى القضاء وامر سبعة عشر مملوكا وللحيص بيص فيه يا أمام الهدى علوت على الجود بمال وفضة ونضار فوهبت الأعمار والأمن والبل دان في ساعة مضت من نهار فماذا يثنى عليك وقد جاوزت فضل البحور والأمطار إنما أنت معجز مستقلخارق للعقول والأفكار جمعت نفسك الشريفة بالبأ س وبالجود بين ماء ونار قال ابن الجوزى واحتجب المستضىء عن أكثر الناس فلم يركب إلا مع الخدم ولا يدخل عليه غيرهم وفي خلافته انقضت دولة بنى عبيد وخطب له بمصر وضربت السكة باسمه وجاء البشير بذلك فعلقت الأسواق هذا كلام ابن الجوزى وقال الذهبى في أيامه ضعف الرفض ببغداد ووهى وامن ببغداد وعملت القباب وصنفت كتابا باسميته النصر على مصر الناس ورزق سعادة عظيمة في خلافته وخطب له باليمن وبرقة وتوزر ومصر إلى أسوان ودانت الملوك بطاعته وذلك سنة سبع وستين وقال العماد الكاتب استفتح السلطان صلاح الدين بن أيوب سنة سبع بجامع مصر كل طاعة وسمع وهو إقامة الخطبة في الجمعة الأولى منها بمصر لبنى العباس وعفت البدعة وصفت الشرعة واقيمت الخطبة العباسية في الجمعة الثانية في بالقاهرة واعقب ذلك موت العاضد في يوم عاشوراء وتسلم صلاح الدين القصر بما فيه من الذخائر والنفائس بحيث استمر البيع فيه عشر سنين غيرما اصطفاه صلاح الدين لنفسه وسير السلطان نورالدين بهذه البشارة شهاب الدين المطهر ابن العلامة شرف الدين ابن أبى عصرون إلى بغداد وأمرنى بإنشاء بشارة عامة تقرأ في سائر بلاد الإسلام فأنشأت بشارة أولها الحمد الله معلى الحق ومعلنه وموهى الباطل وموهنه ومنها ولم يبق بتلك البلاد منبر إلا وقد أقيمت عليه الخطبة لمولانا الإمام المستضىء بأمر الله أمير المؤمنين وتمهدت جوامع الجمع وتهدمت صوامع البدع إلى أن قال وطالما مرت عليها الحقب الخوالى وبقيت مائتين وثمان سنين ممنوة بدعوة المبطلين مملوءة بحزب الشياطين فملكنا الله تلك البلاد ومكن لنا في الأرض وأقدرنا على ما كنا نؤمله من إزالة الإلحاد والرفض وتقدمنا إلى من استنبناه أن يقيم الدعوة العباسية هنالك ويورد الأدعياء ودعاة الإلحاد بها للمهالك وللعماد قصيدة في ذلك منها قد خطبنا للمستضىء بمصرنائب المصطفى إمام العصر وخذلنا لنصره العضد العا ضد والقاصر الذى بالقصر وتركنا الدعى يدعو ثبوراوهو بالذل تحت حجر وحصر وارسل الخليفة في جواب البشارة الخلع والتشريفات لنورالدين وصلاح الدين واعلامنا وبنودا للخطباء بمصر وسير للعماد الكاتب خلعة ومائة دينار فعمل قصيدة أخرى منها أدالت بمصر لداعى الهداة وانتقمت من دعى اليهود وقال ابن الأثير السبب في إقامة الخطبة العباسية بمصر أن صلاح الدين يوسف بن ايوب لما ثبت قدمه وضعف أمر العاضد كتب إليه نور الدين محمود بن زنكى يأمره بذلك فاعتذر بالخوف من وثوب المصريين فلم يصغ إلى قوله وارسل يلزمه بذلك واتفق أن العاضد مرض فاستشار صلاح الدين أمراءه فمنهم من وافق ومنهم من خاف وكان قد دخل مصر أعجمى يعرف بالأمير العالم فلما رأى ماهم فيه من الإحجام قال أنا أبتدىء بها فلما كان أول جمعة من المحرم صعد المنبر قبل الخطيب ودعا للمستضىء فلم ينكر ذلك أحد فلما كان الجمعة الثانية أمر صلاح الدين الخطباء بقطع خطبة العاضد ففعل ذلك ولم ينتطح فيها عنزان والعضد شديد المرض فتوفى في يوم عاشوراء وفي سنة تسع وستين أرسل نورالدين إلى الخليفة بتقادم وتحف منها حمار مخطط وثوب عتابى وخرج الخلق للفرجة عليه وكان فيهم رجل عتابى كثير الدعاوى وهو بليد ناقص الفضيلة فقال رجل إن كان قد بعث إلينا حمار عتابى فنحن عندنا عتابى حمار وفيها وقع برد بالسواد كالنارنج هدم الدور وقتل جماعة و كثيرا من المواشى وزادت دجلة زيادة عظيمة بحيث غرقت بغداد وصليت الجمعة خارج السور وزادت الفرات أيضا واهلكت قرى ومزارع وابتهل الخلق إلى الله تعالى ومن العجائب أن هذا الماء عل هذه الصفة ودجيل قد هلكت مزارع بالعطش وفيها مات السلطان نورالدين وكان صاحب دمشق وابنه الملك الصالح إسماعيل وهو صبى فتحركت الفرنج بالسواحل فصولحوا بمال وهودنوا وفيها اراد جماعة من شيعة العبيديين ومحبيهم إقامة الدعوة وردها إلى آل العاضد ووافقهم جماعة من إمراء صلاح الدين فاطلع صلاح الدين على ذلك فصلبهم بين القصرين وفي سنة اثنتين وسبعين أمر صلاح الدين ببناء السور الأعظم المحيط بمصر والقاهرة وجعل على بنائه الأمير بهاء الدين قراقوش قال ابن الأثير دوره تسعة وعشرون الف ذراع وثلثمائة ذراع بالهاشمى وفيها امر بإنشاء قلعة بجبل المقطم وهى التى صارت دار السلطنة ولم تتم إلا في أيام السلطان الملك الكامل بن أخى صلاح الدين وهو أول من سكنها وفيها بنى صلاح الدين تربة الإمام الشافعى وفي سنة أربع وسبعين هبت ببغداد ريح شديدة نصف الليل وظهرت أعمدة مثل النار في أطراف السماء واستغاث الناس استغاثة شديدة وبقى الأمر على ذلك إلى السحر وفي خمسة وسبعين مات الخليفة المستضىء في سلخ شوال وعهد إلى أبنه أحمد وممن مات في أيام المستضىء من الأعلام ابن الخشاب النحوى وملك النحاة أبو نزار الحسن بن صافى والحافظ أبو العلاء الهمذانى وناصح الدين ابن الدهان النحوى والحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر من حفدة الشافعى والحيص بيص الشاعر والحافظ أبو بكر بن خير وآخرون