الباب الثالث والخمسون : بعض الأضداد كالصعود والهبوط والبخل والإنفاق والهبة واللجاجة والمصالحة والكبر والتواضع والكذب والصدق والفقر والغنى والخوف والأمن والغم والفرح والجحود والإقرار والإحسان والإساءة والذنب والتوبة

من رأى أنه صعد جبلاً دل على حزن وسفر فإن صعد في السماء حتى بلغ نجومها فإنّه يصيب شرفاً ورياسة فإن رأى أنّه لما صعد فيها تحول نجماً من النجوم التي يهتدى بها نال الإمامة والهبوط من السماء بعد صعودها ذل بعد العز وقيل هو نيل نعمة الدنيا مع رياسة الدين وإذا رأى الهبوط من الجبل نال الفرج وقيل إنّه يدل على تغيير الأمر وتعذر المواد وأما البخل فذم فإن رأى أنه يبخل فإنّه يذم كما أنّه لو راى أنّه يذم فإنّه يبخل وإنفاق المال على الكره دليل اقتراب الأجل {وانْفِقُوا ممّا رَزَقنَاكْم من قبل أن يأتي أحَدَكُمْ المَوتُ} وإذا أنفق عن طيب نفس منه
أصاب خيراً ونعمة لقوله تعالى {وانفقوا خيراً لأنْفُسِكُمْ} وقوله تعالى {وما أنفقتم من سئ فَهُو َيُخْلِفُهُ}
وأما الهبة فمن رأى كأنّه وهب لرجل عبداً فإنّه يرسل إليه عدوأ
واللجاجة فرار فمن رأى كأنّه يلج فإنّه يفر من أمر هو فيه كائناً ما كان من ولاية أو تجارة أو صناعة أو خصومه ويدل أيضاً على نفور الناس عن موعظة واعظ أو تعظيم عالم لقوله تعالى {بَلْ لَجُّوا في عُتُوٍ ونفور} وأما المصافحة فمن رأى كأنه يدعو غريماً إلى الصلح من غير قضاء دين فإنّه يدعو ضالاً إلى الهدى ومصالحة الغريم على شطر المال نيل خير
(وأما الكبر فمن رأى كأنه تكبر لتمكنه بسرور الدنيا وفوزه بنعيمها واستقامة أمورها فإنّه يدل على نفاد عمره) لقوله تعالى {حتى إذا أخذت الأرْضُ زُخْرُفَهَا وازَّيَنَتْ وَظنَّ أهْلُهَا أنّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أتَاهَا أمْرُنَا لَيْلاً أوْ نهار} الآية والتبختر خطأ في الدين لقوله تعالى {واقصِدْ في مَشْيِكَ} ويدل على إصابة شرف في الدنيا زائل عن قريب والتواضع للناس ظفر وعلو ورفعة لما روي في الأخبار ومن تواضع للهّ رفعه والكذب دليل على أن صاحب الرؤيا لا عقل له خصوصاً إذا رأى كأنّه يكذب على الله لقوله تعالى {يَفْتَرونَ عَلَى الله الكَذِبَ وأكْثَرُهًمْ لا يَعْقِلُون}
والصدق
الإيمان فمن رأى من الكفار أنّه صدق فإنّه يؤمن كما لو رأى مؤمن أنّه آمن فإنّه يصدق وأما الفقر فمن رأى أنه فقير فإنّه يصيب طعاماً كثيراً لقوله تعالى حكاية عن موسى {ربِّ إني أنزلت إلى مِنْ خَيرٍ فَقير} والغنى هو الفقر فمن رأى أنه يفتقر وأما الخوف فيدل على التوبة وكل خائف تائب وقيل من رأى كأنّه خائف فاز من الخوف ونال رياسة فإن رأى أنّه آمن فإنّه يخاف وأما الغم فدال على السرور وقيل هو الغم بعينه والفرح هو الغم لقوله تعالى {لايحب الفَرِحينَ} وأما الجحود فعلى ضربين جحود حق وجحود باطل فمن رأى أنه جحد باطلاً فإنّه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر
-ومن رأى كأنه جحد حقاً فإنّه يكفر لقوله تعالى {ومَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إلأَ الكَافِرُون} والإقرار بعبودية إنسان إقرار بعداوته والإقرار على النفس بالذنب والمعصية نيل عز وشرف وتوبة لقوله تعالى حاكياً عن آدم وحواء {قَالَا رَبّنَا ظَلَمْنَا أنْفُسَنا} والإقِرار بقتل الإنسان يدل على نيل ولاية أو رياسة أو أمن لقصة موسى قتلت منهم نفساً وأما الإِحسان فيدل على نجاة صاحب الرؤيا والإساءة تدل على هلاكه وارتكاب الذنب يدل على ركوب صاحبه الددين كما أنّ الدين يدل على
ارتكاب الآثام والتوبة تدل على نيل ملك وإصابة شرف وبركة بعد احتمال بلية.