الباب السادس والأربعون : الصنم وأهل الملل الزائغة والردة وما أشبه ذلك

المستحق للعبادة هو الله تعالى فمن عبد غيره فقد خاب وخسر فمن رأى كأنه يعبد غيره دل على أنّه مشتغل بباطل مؤثر لهوى نفسه على رضا ربه فإن كان ذلك الصنم الذي عبده من ذهب فإنه يتقرب إلى رجل يبغضه الله تعالى ويصيبه منه ما يكره وتدل رؤياه على ذهاب ماله مع وهن دينه وإن كان ذلك الصنم من فضة فإنّه يحصل له سبب يتوصل به إلى امرأة أو جارية على وجه الخيانة والفساد فإن كان ذلك الصنم من صفر أو حديد أو رصاص فإنّه يترك الدين لأجل الدنيا ومتاعها وينسى ربه وإن كان ذلك الصنم من خشب فإنّه ينبذ دينه وراء ظهره ويصاحب واليا ظالما ورجلا منافقاً ويكون متحلياً بالدين لأجل أمر من أمور الدنيا لا من أجل الله تعالى وقال بعض
المعبرين أن رؤية الصنم تدل على سفر بعيد وقيل إذا رأى الصنم ولم ير عبادته نال مالاً وافراَ فإن رأى كأنه يعبد نجماً أو شجرة فإنّه رجل دينه دين الصابئين وهم من القوم الذين وصفهم الله تعالى فقال {مذبذبين بَيْنَ ذَلِكَ) وقيل إن هذه الرؤيا تدل على أن صاحبها يتقرب إلى خدمة رجل جليل يتهاون بدينه فإن رأى كأنّه يعبد النار فإنّه يعصي الله تعالى بطاعة الشيطان أو يطلب الحرب فإن لم يكن للنار لهب فإنّه حرام يطلبه بدينه لأنّ الحرام نار فإن رأى كأنه تحول كافراً فإنَّ اعتقاده يوافق اعتقاد ذلك الجنس من الكفار فإن رأى كأنه يحول مجوسياً فإنّه قد ينبذ الإسلام وراء ظهره بارتكاب الفواحش فإن رأى كأنّه يهودي فإنّه يترك الفرائض فتصيبه عقوبتها قبل الموت ويتلقاه ذل لأنّ اليهود اعتدوا بأخذ الحيتان يوم السبت وعصوا أمر الله وعتوا عما نهوا عنه فمسخهم الله تعالى قردة فإن رأى كأنّه قيل له يا يهودي وعليه ثياب وهو كاره لتلك التسمية فإنّه في ضيق ينتظر الفرج وسيفرج الله تعالى عنه برحمته لقوله تعالى {إنا هُدْنَا إلَيْكَ قَالَ عَذَابي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاء وَرَحْمَتي وسعت كل شئ) فإن رأى كأنه تحول نصرانياً فإنّه يكفر نعم الله تعالى ويصفه بما هو منزه عنه
متقدس فإن رأى كأنّه تحول من دار الإسلام إلى دار الشرك فإنّه يكفر بالله تعالى من بعد إيمانه فإن رأى كأنّ يده تحولت يد كسرى فإنّه يجري على يده ما جري على يد الأكاسرة والجبابرة من الظلم والفساد ولا تحمد عاقبته فإن رأى كأنّ يده تحولت كما كانت أولاً فإنّه يتوب ويرجع إلى ربه جلَّ جلاله وكل فرعون يراه الرجل في منامه فهو عدو الإسلام وصلاح حاله يدل على فساد حال أهل الإسلام وإمامهم وهذا أصل في الرؤيا مستمر فإنَّ كل من رأى عدوه في منامه سئ الحال كان تأويل رؤياه صلاح حاله هو وكل من رأى عدوه حسن الحال كان تأويله فساد حاله فإن رأى كأنه تحول كأحد فراعنة الدنيا فإنّه ينال قوة وتضاهي سيرته سيرة ذلك الجبار ويموت على شر وكذلك إذا رأى كأن بعض أموات الجبابرة حي في بلد ظهرت سيرته في تلك البلدة والتحير في كل الأديان جحود
-ومن رأى كأنّه متحير لا يعرف لنفسه ديناً فإنّه تنسد عليه أبواب المطالب وتتعذر عليه الأمور حتى لا يظفر بمراد ولا ينال مراماً مع اقتضاء رؤياه وهن دينه والكفر في التأويل يدل على غنى لقوله تعالى {كلا إنَّ الإنسان لَيَطْغَى أن رَآه استَغْنَى) وقد يدل على مرض لا ينفع صاحبه علاج لقوله
تعالى {سَواءٌ عَلَيْهِمْ أأنْذَرْتَهُمْ أم لم تنذرهم لا يُؤمِنُون} فكثرة الكفار كثرة العيال والشيخ الكافر عدو قديم العداوة وظاهر البغضاء والسيخ المجوسي عدو لايريد هلاك خصمه والشيخ اليهودي عدو يريد هلاك خصمه والشيخ النصراني عدو لا تضر عداوته والجارية الكافرة سرور مع خنا
-ومن رأى كأنه فسد دينه سفه على الناس وأذاهم كما لو رأى أنّه سفه فسد دينه لقوله تعالى {وأنّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى الله شططا}
(الزنا والمسخ) يدلان على ولد إذا كانا فوق ثياب جدد وانقطاعهما موت الولد وإذا كانا تحت الثياب دلا على النفاق في الدين وإذا كانا مع ثياب رديئة دلا على فساد الدين والدنيا وقيل من رأى كأنّه يهودي ورث عمه
-ومن رأى كأنه نصرِاني ورث خاله أو خالته فإن رأى كأنّه يضرب بالناقوس فإنّه يفشي بين الناس خبراً باطلاً فإن رأى أنّه يقرأ التوراة والإنجيل ولا يعرف معانيهما فإنَّ مذهبه فاسد ورأيه موافق لرأي اليهود والنصارى قال الله تعالى {وأنتُمْ تَتلونَ الكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلًون} فإن رأى كأنّه صار جا ثليقا زالت نعمته وانقضى أجله فإن رأى أنّه صار راهباً
فإنّه مبتدع مفرط في بدعته لقوله تعالى {ورَهْبَانَيةً ابتَدَعُوها} وقيل إن صاحب هذه الرؤيا يضيق عليه معاشه وتتعسر عليه أموره ويصحبه في جميع الأمور ذل وخوف ورهبة لا تزايله ويدل أيضاَ على أنّه مكار خداع كياد مبتدع داع إلى بدعته والعياذ بالله من ذلك (رأى) رجلا الحسن البصري كأنّه لابس لباس صوف وفي وسطه كستيج وفي رجليه قيد وعليه طيلسان عسلي وهو قائم على مزبلة وفي يده طنبور ويضرب به وهو مستند إلى الكعبه فبلغ ذلك ابن سيرين فقال أما درعه الصوف فزهده وأما كستيجه فقوته في دين الله وأما عسليه فحبه للقرآن وتفسيره للناس وأما قيده فثباته في ورعه وأما قيامه على المزبلة فدنيا جعلها تحت قدمه وأما ضربه الطنبور فنشره حكمته بين الناس أما استناده إلى الكعبة فالتجاؤه إلى الله عز وجل