لاغوارديا الكويتي ينقذ البلد…! مختصر مفيد

21-03-2019

أحمد الدواس

كانت مدينة نيويورك الأميركية تعج بالجريمة والفساد والعاطلين عن العمل، ثم تولى أحد المسؤولين منصب العمدة فيها من سنة 1934 إلى سنة 1945 وهو فيورلو لاغوارديا، وكان رجلاً ذا أمانة كبيرة وإخلاص واسع في عمله، وهناك رواية يذكرها أحد المسؤولين في بلدية نيويورك تقول إنه لما سرقت امرأة رغيفاً من الخبز حتى تطعم أسرتها، وفُرضت عليها غرامة بعشرة دولارات، علم لاغوارديا بالخبر فقال عند الاجتماع بمعاونيه:” إني أفرض غرامة نصف دولار على كل واحدٍ منكم في هذه الغرفة “، فجمع مالاً أعطاه للقاضي سدد به غرامة هذه المرأة.
وبوظيفة العمدة كان لاغوارديا مسؤولا مخلصا ونزيها، عمل بشدة وحزم، واستعان بخبرات ومواهب ذات كفاءة، واستطاع بإجراءاته الإصلاحية وبمساعدة الرئيس فرانكلين روزفلت ان يهزم الفساد خلال فترة الثلاثينات في أميركا، فقد أصلح أحوال المزارعين الفقراء والعمال العاطلين عن العمل، ونجح بإنعاش مدينة نيويورك اقتصادياً، وأمر إدارة الإسكان أن تبني المساكن بتكلفة مخفضة، وأقام ملاعب عامة وحدائق، ومطارات، وأعاد تنظيم جهاز الشرطة، ومن أولوياته تعيين الموظف وفق جدارته مكان من تولى الوظيفة بالمحسوبية.
لقد كان لاغوارديا يكره عمل العصابات ، وفي أول عمل له كعمدة طلب من رئيس الشرطة ان يقبض على زعيم العصابات المدعو لاكي لوشيانو، بأي تهمة كانت، ودخل لاغوارديا محال القمار فحمل بنفسه مطرقة كبيرة وحطم هذه الآلات التي نُقلت على متن زورق لإغراقها في البحر أمام كاميرات الصحافة والإعلام، أما لوتشيانو، زعيم العصابات، فأودع السجن ليقضي فيه ما بين 30 الى 50 سنة، ولم ينفك لاغوارديا يطلب المال من الحكومة لتنفيذ مشاريع البنية الأساسية، واستطاع ان يقنع بعض الأجهزة المالية بإنفاق ملايين الدولارات على تطوير مدينة نيويورك، فشُيدت الطرق السريعة والجسور والأنفاق، مما غير شكل المدينة إلى الأحسن، وهكذا فقد مارس لاغوارديا عمله بشكل صارم كعمدة محنك صعب المراس، فقضى على آلة الفساد وأقام بنية أساسية حديثة للمدينة، وبفضله ساد الهدوء شوارع نيويورك في السنوات التالية، بعد ان كانت نيويورك تعج بالجريمة، فاستطاع الناس المشي في الطرقات آمنين، فقد اختفت الجريمة بشتى أشكالها.
كان الرئيس الأميركي روزفلت مُعجباً بلاغوارديا وجهوده الشاقة، ولاغرو في ذلك، فقد كان في الأصل ديبلوماسياً أميركياً سابقاً ثم درس القانون بجامعة نيويورك، ومارس مهنة المحاماة، وأصبح نائباً للمدعي العام، واُنتخب عضواً بمجلس النواب.
ويُعتبر لاغوارديا من أفضل عمداء مدينة نيويورك، ومن بين أبرز الشخصيات في التاريخ الأميركي الحديث، ولتكريمه أصدرت إدارة البريد الأميركي في سنة 1972 طابعاً يحمل صورته، وأنشأت نيويورك مطاراً باسمه تخليداً لذكراه، كماسُميّت شوارع باسمه.
هذه قصة رجل نـزيه استطاع تغيير مدينـته نحو الأفضل، والسؤال الآن: هل يمكن تطبيق ماذكرناه في بلدنا الكويت؟
هناك الجرائم المتنوعة بمختلف أشكالها، ومعدلات الفساد في الكويت بلغت حد الأسى والألم، وهو ما يدعو الى التخوف على مستقبل البلاد والأجيال المقبلة، وإذا تحجج البعض بأن ماذكرناه يناهض حقوق الإنسان، فيؤخذ عن مسؤول بأحد الدول المتقدمة هو ديفيد كاميرون، رئيس الحكومة البريطانية السابق، قوله:” عندما تصل الأمور للأمن القومي لا تسألني عن حقوق الإنسان”.
ذكرنا هذه السطور في وقت سابق لعل حكومتنا تتحرك، فنحن في أشد الحاجة الى مسؤول كويتي يتحرك ليطبق القانون بالقوة، فقد ضاعت الذمم في البلاد، وانتشر العنف والفساد، وظهرت النعرة القبلية والطائفية، ما يهدد الوحدة الوطنية، وبعض النواب جهلـة، والوضع الإقليمي خطير، ما المانع بأن نفعل تجاه بلدنا الكويت مثل ما فعل لاغوارديا؟
ان بعض الدول في آسيا استطاعت ان تتقدم باستخدام سلطة فرض القانون، ولو بالقوة مثل اليابان وسنغافورة، وإحدى دول الخليج نجحت كذلك في التقدم بفضل المجهود الفردي لأحد المسؤولين على غرار لاغوارديا، فهل يوجد بينـنا مسؤول ينقذنا مما نحن فيه ليقضي على الفوضى بالمجتمع؟

سفير كويتي سابق