متى تعود موضة البساطة؟

17-03-2019

بين الحين والآخر تعود المجتمعات إلى موضات سابقة، كالأزياء وتسريحات الشعر وموديلات السيارات والمجوهرات والساعات والأثاث إلى آخره، وهو أمر اعتاد العالم فيه استعادة بعض ماضيه بين الفينة والأخرى لأسباب تجارية تسويقية، تواكب متطلبات صرعى الموضة، لكن كثير منا ما زال ينتظر عودة موضة البساطة، بعد أن افتقدناها وذهبت بجميلها وسمو معانيها وانعكاساتها الإيجابية من دون وداع أو عودة، لتتعرض حياتنا من بعدها من دون أن نشعر لفيضان العولمة الجارف، فأصبح لدينا التكلف صنعة، والبذخ مهنة، والاستعراض حرفة، وهو ما أسقط كثيرا منا ضحايا لهذا الدخيل البغيض، الذي قلب موازين حياتنا رأساً على عقب؛ لنكون تحت رحمة حياة باهظة التكاليف، فقدنا فيها عبارتنا الشهيرة "الجود من الموجود"؛ حيث أصبح العادي والطبيعي منقودا.

نعم، لقد اختار بعضنا أن يكون أسيراً لمثل هذه المظاهر الدخيلة؛ حيث إنها انتزعت بساطتنا لنصبح مجردين من روح البساطة، وتحت وطأة مجاراة الناس وإرضاء غرور الذات في كل مناحي حياتنا العامة والخاصة، فأفراحنا ومناسباتنا الاجتماعية أصبحت ملطخة بجنون التكلف والبذخ والإسراف والتبذير، كما أنها لن تمنح أصحابها شهادة التميز المجتمعي مهما بذلت وصرفت من الأموال، فإرضاء الناس غاية لا تدرك، ما أفقد كثيرا من هذه المناسبات بريقها وفرحتها وبساطتها وبركتها وجاذبيتها ومتعتها وذكراها، لتصبح مجرد مناسبات عابرة رتيبة، ظاهرها فاخر ومضمونها فارغ من كل المشاعر؛ حيث تجد أن غالبية الحضور يتحينون فرصة الهروب من ضغوط المجاملات و"البرستيج" الممل في مثل بعض هذه المناسبات.

لنتبسط في حياتنا وتعاملاتنا، ففي التبسط بركة ربانية، فالبساطة ليست معيبة أو نقصانا في حق الإنسان كما يصور البعض، بل خصلة حميدة تعلمناها من أكرم الخلق نبينا المصطفى - عليه الصلاة والسلام - فهي تقرب بين القلوب، وتسد أبواب النفور، وتعكس حياتنا الطبيعية البعيدة عن هذه المظاهر الزائفة، التي تبني الحواجز بين أفراد المجتمع الواحد، وتمزق نسيجه وترابطه الاجتماعي، فنحن بطبيعتنا الإنسانية نهرب من ضغوط الحياة؛ لنبحث عن واحات المشاعر، لا عن استعراض المظاهر التي فتكت بكل ما هو جميل في حياتنا وعلاقاتنا الشخصية، فلا يعنيني أن أرى فخامة مجلسك بقدر ما يعنيني أن أشعر بأخوتك وإنسانيتك، كما لا تعنيني موائدك العامرة بقدر ما يعنيني إكرامي بلطفك وابتسامتك، ولا تعنيني مشاهدة ماركات ملبسك بقدر ما تعنيني ملامسة صفاء ونقاء قلبك، ولا تعنيني قيمة ساعتك بقدر ما يعنيني احترامك وقتي وموعدك، ولا تعنيني شكلياتك ووجاهتك بقدر ما يعنيني تبسطك وتواضعك، ولا تعنيني رحابة قاعاتك وساحاتك بقدر ما تعنيني رحابة صدرك وطيب معشرك، فهل تعود إلينا بساطة الحياة لننعم ببركتها؟