موت استعراضي

17-03-2019

كلّ حادثة إرهابية تحدث في أي بقعة من عالمنا الفسيح هي تأكيد على أن الإرهاب ما زال متجذرّاً بشكل خطير ومُرعِب؛ وأن العمليات الإرهابية من هذا المنظور المروّع باتت تأخذ نمطاً وشكلاً من الإخراج الاستعراضي تجسيداً لحالة الفراغ العدمي الذي ينخر في عقول منفّذيها. ومن المؤسف أنّ تكرار تلك العمليات في مناطق مختلفة من العالم ومن مجرمين مختلفي الديانة والعرق؛ يؤكّد هزيمة العقل، ويعكس في الوقت نفسه حالة الانهزام والانخذال للأفكار وللمساعي الدولية الخيّرة التي تستهدف أمان الشعوب والنأي بها عن الجرائم الوحشية وبما يحقّق خيرية الإنسان وتشاركه العيش الكريم مع بني الإنسان من كل جنس.

فالإرهاب بعدميّته وعدم اعترافه أو خضوعه لمنطق الدين أو القيم والضمير يضرب التحضُّر والوعي وكلّ قيمة حضارية عرض الحائط. فهو لا يفتأ يقتات على دماء ضحاياه بلا وازع أخلاقي أو قيمي أو دين.

ومع تعدّد الدراسات والبحوث والقراءات في مفهوم الإرهاب ومحاولة المفكرين والعلماء تفكيك بنيته؛ إلا أنّه ما زال عصيّاً على التأطير أو المعالجة؛ بدليل أنّه يُبرِز وجهه الكريه الشائه دون أن يتنبّه أحد لانطلاقه وخروجه من مكمنه بوجه سافر لا يرعوي ولا يرقب في ضحاياه إلاّ ولا ذمة؛ ما عني أن القصور يعتور معالجاته ولا تزال بعيدة في سبر أغواره وإيجاد حلول ناجعة لاجتثاثه باعتباره مهدّداً للسلم الأهلي وللحياة عموماً التي استخلف الله عباده عليها ليعمروها بالحب والخير والعمل.

لا شك أنّ ثمّة أسباباً وجذوراً عميقةً وبعيدة الغور تحتاج من يسبرها من العلماء والمفكّرين ويقدّم لنا مقاربة مفاهيمية رصينة عنه، فالإرهاب لا دين ولا منطق له، وهو متغلغل بشكل شرس في بنية العقل لإنسان مجتمعنا المعاصر، الذي تهيمن عليه المادية والخواء الفكري والروحي والثقافي اللذين بدورهما يفضيان إلى عالم متوحّش ويذكيان النوازع الوحشية في منفّذي العمليات الإرهابية ممّن يفقدون بوصلة وعيهم وقبلها إنسانيتهم ويستبيحون دماء الأبرياء لأسباب واهية لا تتّسق مع روح الأديان جميعها التي تدعو لخير الإنسان والشعوب وتشيع المحبة والصفاء والتواد والتراحم.

وبعيداً عن الأدوار العظيمة والجهودة الضخمة التي قدّمتها وتقدّمها المملكة لاجتثاث هذا الداء الفتّاك؛ والمساهمة دولياً بالفكر والمال في تعزيز الجهود لهذا المسعى الحميد؛ إلاّ أنّه مما يدعو للتفاؤل أنّ المجتمع الدولي بات على قناعة بأنّ الإسلام دين عظيم وسبّاق في تحصين المجتمع في أي بقعة من هذا الكون من كل ما يخدش إنسانية الإنسان أو يؤذيه في معيشه وحياته وأمنه واستقراره؛ وهو ما يرسّخ الحقيقة التي لا تقبل الجدل، بأن حملات التشويه التي تحاول النيل من الإسلام كديانة أو أتباعه المسلمين ما هي إلاّ محض افتراء وتخرّصات لا يسندها عقل ولا وعي ولا مصداقية. لذا فالعالم اليوم مطالب أكثر مما مضى بأن يتّحد ويتجاوز اختلافاته وعرقيّاته وهويّاته ليجابه بضمير شبح الإرهاب وأن يتخلّى عن النفخ في إعلامه بعبارات

لا تخلو من النّفس التحريضي ضد الشعوب والدول والمسلمة؛ فالعدو واحد ويتربّص بالجميع.