نساء «موسم الهجرة إلى الشمال»

18-03-2019
علاء الدين محمود

لا يكتفي قارئ «موسم الهجرة إلى الشمال»، بمرة واحدة من المتعة، بل ربما لن تكتمل هذه المسألة إلا بالعودة مرة ومرات، وكأنها كنز أسطوري قادم من قلب التاريخ والسير القديمة. وإذا كان العنوان العريض لهذا العمل الخالد للطيب صالح هو «الصراع الحضاري بين الشرق والغرب»؛ فإنه كذلك يحتشد بالكثير من القضايا التي عالجها المؤلف بجماليات لغة شاعرة وناقدة ومشاغبة، وبتقنيات متفردة في الحكي.

نجد في قلب السرد الحضور القوي والطاغي للنساء المحاربات، أو الثوريات بلغة الحركة النسوية، اللواتي لا يخضعن لأي شروط، ويقلبن الأدوار، فالكاتب يجعل قضية المرأة تتحرك في فضاء الرواية بشكل عفوي، مبرزاً هذه النماذج الفريدة للنساء، وبالتالي موقفه الخاص المناصر للمرأة.

ونلاحظ أيضاً تلك العبقرية في بناء الشخصيات النسائية في العمل، من خلال جمع نساء مختلفات من حضارات متباينة في الغرب والشرق، لكنهن متقاربات في منطلقاتهن وأفكارهن، رغم التباين الآخر المتمثل في نسبة التعليم والثقافة بينهن، فما يجمعهن هو وجودهن في مجتمعات منغلقة تماماً في الشرق، وشبه مغلقة في أوروبا والغرب، حيث مازالت السطوة للرجل، فتحكي الرواية عن نضالهن الخاص، مثل جين مورس، فهي امرأة قوية ذات شخصية متحررة، وسطوة نافذة، واعتداد بالنفس، بينما نجد أن مسز روبنسون تمثل جانب الانفتاح والتحرر الفكري في نظرتها غير العنصرية للغرب، فيما تمثل شيلا غرينود رمزية المرأة الرافضة للانتهاك، تلك التي ثارت على أن تعامل كمجرد أنثى، والتي سعت إلى أن ينظر إلى الإنسان الذي بداخلها، وعندما فشلت في هذا المسعى لجأت إلى العنف، ونفي الذات عبر الانتحار.

وكذا الحال بالنسبة لنساء نشأن في الشرق، ف«بنت مجذوب»، تمثل جانب الرفض للصورة النمطية عن المرأة، فهي تسعى إلى مركز قيادي محوري في مجتمع القرية، وتفعل ذلك من خلال استعارة طرق حديث الرجال، وعدم تهيبهم، وكذلك بالانفلات من سياق المجتمع ونظرته للمرأة، بينما نجد أن فاطمة عبد الصادق، تمثل المرأة الغريبة في أطوارها، التي ترفض «أدوات» النساء، مثل البكاء والعطف، وتستعين بالقوة وإظهار الهيبة، وتواجه الحياة وتقلباتها بجلد شديد، وتعمل على تربية أطفالها على هذا النحو، بحيث تستنسخ فيهم شخصيتها القوية، وهنالك حُسْنَة بنت محمود شديدة الجمال، الرافضة أن تعامل كمجرد أنثى جميلة، فلا تفعل ما تفعله النساء من وضع الحناء وما شابه، وتتحلى بالقوة والندية مع رجل القرية.

نساء «موسم الهجرة إلى الشمال»، هن اللواتي يتحركن الآن في فضاء كل العالم، يبحثن عن حريتهن، وينظمن أنفسهن في الغرب وإفريقيا وبقية الدنيا، وكأنهن بالفعل قد خرجن من بين سطور تلك الرواية

Alaamhud33@gmail.com