مشكلات المنعطف التاريخي

18-03-2019
عبد اللطيف الزبيدي

هل تشك في أن العالم دخل مرحلة حاسمة ستتغيّر فيها مراكز القوى؟ قد يسأل سائل: إذا كان ذلك كذلك، فما هذه الفوضى وانفلات المقاليد، كأن دكان خزف الدنيا اقتحمه ثور ضخم هائج؟ ذلك أن بنيان النظام العالمي تصدّع بما فيه الكفاية، فرأسه يرى تداعيه عياناً، ولكن لكونه يرفض قبول الحقيقة، فإن كبرياءه تصبح مكابرة، فلا يبقى له مناص من ممارسة الأرض المحروقة: أنهيكم قبل أن أتجرّع نهايتي. عند نقطة اللاّعودة هذه، كل القيم تمسي قيماً مضادّة، كمحاولة أخيرة يائسة، فيظهر للعالم جوبلز مضروباً في ألف: أكاذيب، قيم زائفة خادعة، قلب حقائق، تهديد، تدمير.
الفرق في المواجهات بين عصرنا وما قبله، هو أن الردع النووي غيّر المعادلات بالقضاء تقريباً على شهيّة الصدام المباشر، الذي قد يؤدي إلى إفناء طرفي النزاع أو أطرافه وغيرهم. قبل هذا المنعرج المرعب، كانت القوى تهوى النزال المكشوف. بعد ذلك صارت اللعبة البديلة: تدكّ أتباعي، وأدكّ أتباعك. حاسّة الشمّ عند مستشار الأمن القومي الأمريكي برجنسكي، كانت خارقة، منذ قرابة نصف قرن، دعا إلى الحيلولة دون بروز أي منافس للولايات المتحدة. لكن لا يفيد حذر من قدر، فسقوط الاتحاد السوفييتي بات «يا فرحة ما تمّت»، فقد ذهب «أبو الرّيّس يحتسين»، الذي كان الأمل الثمل، فجاء من هو في نظر واشنطن أسوأ من لينين وستالين. قيل إن أصل فلاديمير بوتين: فولاد يمرّ أبو التين.
من حق واشنطن أن توجّه أشدّ اللوم إلى أوروبا، لأنها لم تعمل بمقولة نابليون بونابرت: «لا توقظوا التنين، لأنه إذا استيقظ زلزل العالم». منذ أيام دينج شياو بينج والعالم الرأسمالي يستيقظ كل يوم على الهزات الارتداديّة، أمّا الزلزالان الكبيران، فهما: صنع في الصين2025، الذي سيشهد قفزات من 40 إلى 70%في تقانة المعلومات والذكاء الاصطناعي، الروبوتية، الطاقة والسيارات الكهربائية، الطيران، المواد الجديدة، الطب والصيدلة (صناعة الأدوية أكبر تهديد لأمريكا)، ومكننة الزراعة. الزلزال الأكبر: مئوية الثورة الصينية 2049.
لزوم ما يلزم: النتيجة السيكولوجية: في هذا المشهد لا يبقى للقوة المتراجعة من الحلول النحوية إلاّ جمع التكسير.

abuzzabaed@gmail.com