هيئة وطنية للتراث والتاريخ

18-03-2019
إبراهيم الهاشمي

الجهود التي يبذلها الباحثون في التاريخ والتراث الإماراتي جهود لا تنكر، وما يقدمونه من دراسات وأبحاث عمل مقدر ويسهم في تسليط الضوء على تاريخ حافل ويبرز تراثاً عريقاً وعميقاً عمق الوجود الإنساني على هذه الأرض الطيبة. ولكن هل تكفي تلك الجهود الفردية في تقديم ما يشفي الغليل حول تاريخنا أو تراثنا، فهي في جلها تعتمد على اجتهادات أفراد يعشقون بلادهم، ويعانون أشد المعاناة في جمع المعلومات أو المخطوطات أو الوثائق، ويعتمدون على قدراتهم الذاتية في الحصول على المادة التي يدرسونها، مع علمنا أن هناك جزءاً كبيراً من تراثنا الشفاهي سيكون في مهب النسيان والضياع مع مرور الزمن مع انتقال حراسه من كبار السن إلى الرفيق الأعلى، إن لم يضع الكثير منه فعلاً.
وحتى الآن ومع وجود جهات من المفترض أن جزءاً من عملها هو تدوين التاريخ وحفظ التراث والمساهمة في رصده وتدوينه، إلا أننا لا نجد إلا القليل من النتاج الذي يعول عليه والمدروس بشكل علمي، وقد سمعنا كثيراً عن خطط لجمع التراث الشفاهي، وتمر السنوات ولا نرى نتائج فعلية تشفي الغليل وتسد الثغرات الكثيرة الغائبة سواءً في التاريخ أو التراث.
جهود معهد الشارقة للتراث لا تنكر، وتسهم في إضاءة جوانب من التراث الإماراتي والعربي، لكننا نتطلع إلى ما هو أكبر من ذلك، إلى مشروع وطني متخصص يجمع جهود الباحثين ويقدم لهم الدعم المطلوب، بل أكثر من ذلك يعمل على إعداد كوادر متخصصة علمياً في كل حقبة من تاريخ الوطن وكل جانب من جوانب تراثه، يجمع تراثنا الشفاهي بشكل علمي قبل أن يندثر. يدون كل شاردة وواردة سواءٍ صوتياً أو تصويراً أو تحريراً، ولكل مناحي التراث المادي أو الشفاهي قبل أن تطويها يد الزمن. يوفر المادة الأولية للباحثين والدارسين، تطلعاً إلى إصدار وتوفير موسوعات متخصصة في كل جوانب التراث والتاريخ.
ومع تسارع وتيرة التطور التكنولوجي والعمراني وسرعة التغيرات التي أصابت الحياة اليومية لمجتمعنا أصبحت الحاجة ملحة جداً إلى وجود مؤسسة أو هيئة وطنية للتراث والتاريخ، تعمل على صونه وتدوينه ونشره، بخطط استراتيجية واضحة ودقيقة، وأهداف علمية تستطيع أن تنتج لنا موسوعات في كل جوانب تاريخ هذا الوطن وتراثه المختلف المشارب، سواءً ما يتعلق ببحره أو صحرائه أو واحاته أو جباله، مدنه وقراه، بشره ومدره، شجره ورماله، ثروته الحيوانية أو المائية، كل ما يمكن رصده لتكوين وإعطاء الصورة الحقيقية لإنسان هذه الأرض من فجر التاريخ حتى هذا اليوم.