جريمة تبييض الإرهاب

18-03-2019
مفتاح شعيب

ربما لا تستطيع البلاغة اللغوية استيعاب حجم الفجيعة التي سببها الهجوم الإرهابي على المسجدين في نيوزيلندا، كما لا تستطيع كل عبارات التأبين أن تعيد بعضاً من حقوق الضحايا الذين سقطوا في إعدام جماعي لعشرات المصلين في بيت من بيوت الله أثناء صلاة الجمعة، لكن الصدمة الأفظع ألا تلقى هذه الجريمة النكراء ما تستحق من التنديد الصادق من جانب واسع من الإعلام الغربي، وكثير من السياسيين والزعماء الذين لم يخفوا «إعجابهم» المضمر بالعملية الخسيسة، ومحاولة تبييض صفحتها السوداء.
كثير من وسائل الإعلام في الغرب ألغت صفة الإرهاب عن منفذ مذبحة المسجدين وصنفت العملية ضمن جرائم «القتل الجماعي»، بينما أفردت بعض الصحف حيزاً واسعاً للحديث عن «الجانب الإنساني» في شخصية السفاح، كمحاورة جدته البالغة من العمر 94 عاماً، وسرد شهادات أقربائه وأصدقائه، على الرغم من أن صحف نيوزيلندا وأستراليا أجمعت على إدانة الجريمة، ولم تتردد في اعتبارها عملاً إرهابياً مقززاً لمشاعر الإنسانية.
أغلب بيانات الاستنكار التي صدرت من الغرب امتنعت عن إدانة مُنَفِّذ مجزرة المسجدين، مثلما فعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بينما اجتاحت حسابات اليمين المتطرف، من «إسرائيل» إلى معظم الدول الغربية، علامات الإعجاب وعبارات الدعم للسفاح، وهي ظاهرة تكشف مدى تغلغل مشاعر الحقد والكراهية ضد المسلمين، كما تظهر أن «الإسلاموفوبيا» بلغت درجة خطيرة، بعدما تدرجت من التحريض والتدنيس إلى الطابع المسلح. ويبدو أن الهجوم الإرهابي لليمين المتطرف في نيوزيلندا، لن يكون الأخير، بالتزامن مع ظهور أدبيات مسيحية متطرفة تستلهم أفكارها من إرث الحروب الصليبية، ولا تتورع عن التحريض على التنكيل بالمسلمين.
هذه التداعيات السيئة والمنذرة بالأسوأ، لا تحجب المواقف النبيلة التي لا تحصى، فمثلما هناك متطرفون وشعبيون، هناك طيف واسع من السياسيين والنشطاء الوسطيين والمدافعين عن القيم الإنسانية، ففي أوروبا هناك اليوم معركة حقيقية ضد اليمين المتطرف وأحزابه، يقودها رافضون للعنصرية والشعبوية، وظهر ذلك جلياً في بيانات وتظاهرات متفرقة تضامناً مع ضحايا الجريمة الإرهابية في نيوزيلندا.
كل هذه التحركات والمواقف تصب في مصلحة الإنسانية، وترفض تبييض الإرهاب، كما تدق جرس إنذار من ردود فعل. فالبعض، وهو على حق، يرى في جريمة المسجدين ذخيرة حية قد تتزود بها الجماعات المتطرفة مثل «داعش»، و»القاعدة»، ما يهدد بتحويل أكثر من نقطة في العالم إلى ساحة للفعل ورد الفعل بين المتطرفين على الجانبين. أما العقلاء فيجب أن يدافعوا عن التعايش الإنساني ويرفعوا قيم التسامح والأخوة الإنسانية عالياً، فبهذا السلاح يمكن للبشرية أن تقاوم الإرهاب وتنتصر عليه قولاً، وفعلاً.

choauibmeftah@gmail.com