سلاح نتنياهو السري

18-03-2019
عاصم عبدالخالق

يرى الكاتب الأمريكي ديفيد هالبفينجر مدير مكتب صحيفة «نيويورك تايمز» في القدس المحتلة، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هو السلاح السري الحقيقي الذي يستخدمه رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو في معركته الانتخابية الضارية التي تدور رحاها الآن. ولا يدخر نتنياهو فرصة، ولا يترك مناسبة، من دون أن يتفاخر بعلاقته الخاصة بترامب، متباهياً بالمكاسب والخدمات الاستراتيجية التي حصل عليها منه، من دون مقابل.
ومن الطبيعي أن تكون هذه العلاقة الوطيدة هي إحدى دعائم حملته الانتخابية، ومصدر قوته. ومنذ شهور وضع مسؤولو حملته لافتات ضخمة في الشوارع الرئيسية عليها صورة تجمعهما معاً وهما يتصافحان، مع كلمتين فقط هما «رابطة مختلفة»، في إشارة إلى الارتباط الوثيق بينهما، وفي تلميح ضمني إلى أن منافسي نتنياهو لا يحظون بنفس العلاقة مع ترامب، ومن ثم لن يحصلوا منه على ما اقتنصه رئيس الوزراء.
في هذه النقطة تحديداً، يبدو نتنياهو صادقاً، فقد منح ترامب «إسرائيل» مكاسب استراتيجية لم يقدمها غيره من الرؤساء الأمريكيين: اعترف بالقدس عاصمة لها، ونقل سفارة بلاده إليها، وتراجع عن إدانة الاستيطان، وتبنى كل مواقفها المناهضة للحق العربي، وفرض عقوبات قاسية وجائرة على الفلسطينيين، وحرمهم من المساعدات الإنسانية والمالية، ولم يلتزم بتأييد حل الدولتين كصيغة مقبولة دولياً وعربياً للتسوية، وأغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن.
كل هذه الهدايا المجانية حصل عليها نتنياهو ويستثمرها بنشاط في معركته الانتخابية. ليس هذا فقط، بل لديه دعم صريح من ترامب بصورة غير معتادة في الحملات الانتخابية. وخلال قمة هانوي الأخيرة التي جمعته مع زعيم كوريا الشمالية، أغدق ترامب المديح على صديقه «الإسرائيلي» من دون مناسبة واضحة، ووصفه برجل الدولة الحاسم والذكي والقوي وصاحب الأداء العظيم.
وخلال الأيام المقبلة، سيكون نتنياهو على موعد مع أنشودة مديح أخرى، عندما يحل ضيفاً على ترامب في البيت الأبيض، خلال زيارته لواشنطن، لحضور المؤتمر السنوي لمنظمة «إيباك»، وهي جماعة الضغط اليهودية القوية في أمريكا. هدية أخرى ثمينة قد يحصل عليها في موسم الانتخابات، وهي دعم ترامب المحتمل لمشروع القانون الذي أعده الجمهوريون للاعتراف بسيادة «إسرائيل» على الجولان السورية المحتلة.
وإذا كان دعم «إسرائيل» يصب في مصلحة أي رئيس أو سياسي أمريكي، فإن ترامب يعتبر أن بقاء نتنياهو شخصياً سيكون مفيداً له. ذلك أن المواقف المتطرفة لرئيس الوزراء، وآخرها تحالفه مع حركة فاشية متطرفة من فلول حزب الحاخام الراحل مائير كاهانا، هذه المواقف أغضبت اليهود الليبراليين، والحزب الديمقراطي في أمريكا. ويرى ترامب في هذا الصدع فرصة لزيادة شعبيته بين اليهود، بتسويق نفسه على أنه الداعم الأكبر والوحيد ل«إسرائيل» وليس الديمقراطيون الذين يستقطبون عادة أصوات اليهود. من مصلحة ترامب بقاء نتنياهو لكي يستمر هذا الوضع عامين آخرين، أي طوال حملة الانتخابات الأمريكية.
تجدر الإشارة هنا إلى التشابه غير العادي بين الرجلين في تكتيك إدارة المعركة الانتخابية، فكلاهما محاط بالفضائح التي يجري التحقيق فيها رسمياً. وكلاهما يدمن نظرية المؤامرة، لتفسير دوافع أي انتقاد أو اتهام يوجه إليه. والاثنان لا يتورعان عن تشويه خصومهما السياسيين بلا رحمة ولا صدق. وكلاهما يتهم الإعلام بالكذب ومساندة المؤامرات ضده. واعتاد الرجلان كذلك وصم النخبة السياسية بالفساد واعتبارها العدو اللدود وسبب البلاء الذي يسعيان إلى تطهير البلاد منه.
وليس غريباً بعد ذلك أن تتشابه شعاراتهما الانتخابية: نتنياهو يرفع مقولة «رجل لا غنى عنه». وترامب بدأ رحلته الانتخابية في 2016 بشعار «أنا فقط من يستطيع الإنجاز».
ومع هذا التطابق، تظل هناك فروق أساسية، أهمها أن ترامب جاء من خارج المسرح السياسي، بينما لحليفه «الإسرائيلي» باع طويلة في هذا المعترك. ونتنياهو قارئ نهم ودارس للتاريخ، بينما لا يعرف عن ترامب أي شغف بالقراءة أو الثقافة. والأول رغم كل سوءاته يشهد له خصومه قبل أنصاره بالذكاء السياسي، وليس لترامب حظ في هذا المضار، وينعته حلفاؤه بصفات طيبة كثيرة ليس من بينها الذكاء.

assemka15@gmail.com