«البريكست» ومستقبل بريطانيا

18-03-2019
د.خليل حسين*

ثمة تخبط واضح في الحياة السياسية البريطانية يشي بمستقبل سياسي غير مستقر على قاعدة الخلاف الذي بات حاداً حول الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي.
فبعد سنتين على الاستفتاء لم يجد البريطانيون ولا الاتحاد اتفاقاً مناسباً ذا طابع إجماعي لتفادي مخاطر الخروج دون اتفاق محدد وواضح، لا سيما أن لندن مرتبطة في الأساس باتفاقيات قانونية ملزمة تحدد إطار التعامل مع الاتحاد، كما تحدد طريقة الخروج وفقاً للمادة 50 من اتفاقية برشلونة.
واللافت كما كان متوقعاً، هزيمة رئيسة الوزراء تيريزا ماي بصفعة مدوية في التصويت الثاني في مجلس العموم بأغلبية 391 صوتاً مقابل 242 صوتاً، وهو رقم يشير إلى حدة الخلاف والانقسام حول مشروع الحكومة للخروج ضمن اتفاق عملت عليه مع الاتحاد نفسه، ما يثير تداعيات أخرى حول مستقبل حكومة المحافظين والسلوك السياسي الذي سيمضي فيه حزب العمال في هذه الفترة.
فعلى الرغم من طمأنة تيريزا ماي حول الخروج الآمن وفقاً لتصور الاتحاد، فقد واجه على سبيل المثال مشروع «شبكة الأمان» الخاص بالجانب الإيرلندي وغيره من القضايا ذات الصلة، معارضة شديدة، ما رفع سقف الاصطفاف السياسي وصولاً إلى المطالبة بانتخابات تشريعية مبكرة، بصرف النظر عن حسابات الربح والخسارة فيها لجهة ما يمكن أن تحدثه الانتخابات في سير عملية الخروج ضمن اتفاق محدد أو البقاء في الاتحاد، لا سيما أن الاستفتاء الأساسي الذي تمَّ قبل سنتين لم تكن نتائجه حاسمة لجهة الفروق البسيطة جداً بين مؤيد ومعارض. وبالتدقيق في استطلاعات الرأي لم يُلحظ تغير ملموس ذو دلالات جادة عن تحولات حاسمة في هذا المجال، ما يعزز أيضاً أن أي انتخابات مبكرة يمكن أن تجرى لن تكون ذات دلالات واضحة في تركيبة الحكومة أو سياساتها الخارجية والداخلية تجاه الاتحاد وما يتصل به.
ثمة العديد من المظاهر التاريخية في سياسة بريطانيا تجاه مستوى ونوعية العلاقة مع الاتحاد وغاياتها المرتقبة فيه، والمؤكد في هذا السياق التردد والتوجّس تجاه الانخراط في الاتحاد بشكل فاعل ومؤثر في مستقبله، ومجازاً في توصيف العلاقة ثمة من يقول إن بريطانيا هي في الضفة الغربية للأطلسي، أي هي أقرب في الجغرافيا السياسية للولايات المتحدة منها إلى الجانب الشرقي للأطلسي أي القارة الأوروبية، وهي دلالات تصور حجم الخوف البريطاني من الانزلاق أساساً في مشاريع الاتحاد، انطلاقاً من خوف تلاشي قوتها المرغوبة إلى جانب الرأسين الآخرين المتحمسين تاريخياً للاتحاد فرنسا وألمانيا.
وفي أي حال من الأحوال ثمة العديد من المسائل المتصلة التي تلعب دوراً مؤثراً في اتجاهات الرأي العام البريطاني حول هذه القضية تحديداً.
يبدو اليوم بشكل وأضح، أن بريطانيا تسير نحو المزيد من التخبط السياسي في إدارة أزمة الخروج، وهي في الأساس لا تمتلك لا العناصر الداخلية القادرة على حسم التوجهات، ولا تتوافر العناصر الموضوعية التي تسهم في إخراجها من هذا المأزق الموصوف. فإضافة إلى الانقسام حول السياسات الخارجية والدفاعية أيضاً، ثمة عوامل قانونية واقتصادية ومالية تزيد في ضبابية وضعها، وبالتالي ذهاب الأمور إلى صور أشد تعقيداً من السائدة حالياً.
فبريطانيا المستفيدة اقتصادياً وتجارياً في الأساس عبر وجودها في الاتحاد، ستعاني بشكل واضح في العديد من القطاعات كانتقال رؤوس الأموال وحجم الاستثمارات والإنتاج الزراعي وغيره، عدا عن القضايا الأخرى كالمسألة الإيرلندية، وقضايا الهجرة والتنقل والقضايا ذات الصلة التي لا تنتهي.
فهل تتمكن القوى الفاعلة في صناعة القرار البريطاني من تخطي هذه الأزمة التي تعتبر فارقة في تاريخها السياسي الحديث، أم تمضي قدماً في سياسات وإجراءات تزيد من حدة الانقسام وبالتالي التداعيات السلبية؟
الإجابة عن هذا السؤال تتطلب المزيد من التدقيق في الظروف التي تبدو ضبابية وتستلزم المزيد من الوقت المتعلقة باتجاهات الرأي العام البريطاني في هذا المجال.

* رئيس قسم العلاقات الدولية والدبلوماسية  في الجامعة اللبنانية