مجزرة المسجدين

17-03-2019
علي قباجه

جريمة بشعة راح ضحيتها 51 قتيلاً وعشرات الجرحى، بعدما أقدم عنصري متطرف وإرهابي، على إبادة جماعية بمسجدين في نيوزيلندا، والأدهى أنه صوّر فظاعاته ببث مباشر، وخطط لهذا الفعل الشنيع لسنتين، وتشرّب من أفكار الأحزاب الشعبوية اليمينية المتطرفة، التي ترفض الآخر، وتحتقر المهاجرين والمسلمين، وتستعديهم، وتؤجج المشاعر ضدهم. ولم تشفع للمسالمين صرخاتهم، ولا لتلك الفتاة التي استنجدت طلباً للمساعدة، من تلقيها الرصاص في رأسها ليرديها قتيلة. مجزرة لا يمكن لعقل إنسان أن يتصور بشاعتها، فهي تؤشر إلى عمق الانحدار الذي وصل له التطرف والشعبوية التي نشرت «الإسلاموفوبيا» وعملت على تأجيجه وتخويف الناس.
هذه الجريمة ليست معزولة، فهي نتاج تحريض ممنهج، وكان آخر المحرضين - حتى بعد وقوع المجزرة- السيناتور الأسترالي، فرايزر مانينغ، الذي ألقى اللوم على المسلمين المهاجرين، قائلاً: إن الإسلام أصل إيدولوجية العنف، وتابع هذا المتطرف والشريك الروحي ل«سفاح المسجدين»، أن «السبب الحقيقي لإراقة الدماء في نيوزيلندا هو برنامج الهجرة الذي سمح للمسلمين بالهجرة إلى نيوزيلندا بالأصل.. لنكن واضحين، ربما يكون المسلمون ضحية اليوم ولكن في العادة هم المنفذون». هذا المتطرف هو عينة ويكشف بتبريره السمج حجم النخب المتطرفة التي قد تكون ك«داعش» أو أسوأ في إرهابها ورفضها للآخر، في حين أنه تجاهل الغزو الغربي لكثير من بلاد الأرض وقتل الملايين فيها، وتناسى أن سبب الهجرات هو الاستعمار القديم والحديث، جراء التسلط على المسلمين وكل المسالمين في معظم الأقطار.
كي يكون العالم منصفاً، عليه أن يدرج أمثال هذا السيناتور وكل من ينشر «الإسلاموفوبيا» أو يستخدم هذا المصطلح للتخويف، ضمن قوائم الإرهاب، وأن يحاكم ويعاقب. فكما تم استخدام مصطلح «معاداة السامية» لحماية «إسرائيل» وجرائمها، ينبغي أن يتم أيضاً اتباع نفس النهج، وفرض رقابة على معاداة الإسلام، التي هي في تصاعد مطرد. فهل يتجه العالم بعد هذه المجزرة لوضع قواعد وأسس لمكافحة التطرف من أي جهة كانت.. أم أنه سيبقى غارقاً في نفاقه؟
والأحزاب اليمينية التي تحرّض على المهاجرين، ينبغي أن توصم بالإرهاب وأن تحارب وأن تقتلع من جذورها، لأنها تنشر الأفكار المشوهة وهي من تصنع الإرهابيين، والمجرمين، والقتلة. وحوادث التطرف التي نتجت عن أفكار هذه الأحزاب لا تعد ولا تحصى، فكما تحارب «داعش» و«القاعدة» لا بد من محاربتها أيضاً وحظرها، لا أن تتمدد، ليصبح خطرها يتهدد كل العالم.
المجتمع الدولي أمام امتحان حقيقي، لتغيير سياساته العوراء، وغير المحايدة، ومن ثم عليه إنصاف كل الضحايا، لا أن يكون انتقائياً، أو يقوم بإبداء تعاطف كاذب، فهو مطالب بأن يغلّب منطق الإنسانية على المنطق العصبوي والتشنج العرقي. بينما يتحتم على العالمين العربي والإسلامي إعلان الموقف بوضوح ورفض كل ما يؤجج المشاعر ضد المسلمين والمهاجرين، وتفعيل عناصر قوتهم في هذا الغرض، ومقاطعة الأحزاب اليمينية، وإدراج كل محرض على قوائم التطرف. فالإرهاب بكل أشكاله يجب أن يوضع في سلة واحدة، لإقصائه، وتجفيف جذوره ومنابعه.

aliqabajah@gmail.com