عندما تكون الشخصية الدرامية معلماً

16-03-2019
مارلين سلوم

لا يمكن لفنان أن يتألق ويرتفع، إلا إذا وضع من ذاته وروحه الكثير في كل عمل يقدمه. ولا يمكن لشخصية في مسلسل أو فيلم أن تدخل إلى قلبك، إلا إذا استطاع مؤديها أن يتواءم معها ويذهب إليها ليعيش في جلبابها ويتسلل تحت جلدها، فيخدعنا ونتوه في هوية من نشاهده أمامنا على الشاشة، أهو الممثل المسترسل بالأداء لأن الدور يشبهه ويعبر عنه، أم هي الشخصية التي طغت فصارت من لحم ودم؟
بعض هؤلاء الممثلين، يضعك في حيرة فتتساءل، هل هو من يغني أو يعزف أو يرقص أو يقفز في مشاهد شديدة الإتقان والخطورة أحياناً؟ في الدراما كما في السينما، صار للنجوم أهواء في الذهاب إلى أبعد من الأداء أمام الكاميرا، والاستغناء عن «الدوبلير»، وهو ما يعكس الحرص على الخروج من فكرة «المشخصاتي» القديمة، والتأكيد على امتلاك الممثل الكثير من القدرات، وكأنه مجموعة مواهب في كيان واحد، يمكنه لعب مختلف الأدوار بحرفية عالية، والتعلم من كل شخصية، واكتساب مهارات جديدة، مهما ارتقت به نجوميته صعوداً.
من يشاهد مسلسل «أهو ده اللي صار» الذي يعرض حالياً على «أون إي»، تأليف عبد الرحيم كمال وإخراج حاتم علي، يعيش «حالة نادرة»، وكأنه أمام عمل مطرّز بالسحر والخيال. ولا بد أن نتوقف عنده مطولاً لاحقاً، وعند أسراره ومفاتيحه للوصول إلى قلوب وعقول كل المشاهدين. إنما نتناول منه شخصية علي بحر، والسؤال الذي يدور في ذهن كل من رأى الممثل محمد فراج يؤديه. هل يجيد فعلاً فراج العزف والغناء، أم أنه يحرك الشفتين واليدين تماشياً مع كلمات وألحان الأغنية؟ والسؤال ينبع من الإتقان الشديد للدور بكل حركاته وحالة الطرب التي نشعر بأن الممثل يعيشها بكل مشاعره.
محمد فراج أرادنا أن نصدقه، فذهب مباشرة إلى طريق «الحرفة والإتقان»، وتعلّم الغناء والعزف على العود خصيصاً من أجل علي بحر. ولكي يجيد الأداء مثل مطربي عام 1918، قصد المطرب والملحن حسن زكي «لأنه يميل إلى العصر القديم». تعلّم، غنى وعزف، فأجاد الدور، وإن اضطروا للاستعانة بمغن آخر لوضع صوته مكان فراج وهو مصطفى جمال. بالإضافة طبعاً إلى الجانب التمثيلي لشخصية علي بحر والتي تطلبت منه الكثير من الرومانسية والشاعرية.
لدينا نماذج مميزة، تجيد الاحتراف. وفي الغرب نأخذ مثلاً راين غوزلينغ الذي تعلم بمعدل 3 ساعات يومياً ولمدة 3 أشهر ليتقن العزف على البيانو وتحديداً «الجاز» في فيلم «لالا لاند». ومثله ماهرشالا علي الذي تعلم العزف على البيانو أيضاً والغناء لثلاثة أشهر من أجل دوره في فيلم «غرين بوك» الحائز الأوسكار. الحس الفني والإرادة يحثان الممثل على التعلم من الشخصية، ليصيرا واحداً أمام الجمهور.

marlynsalloum@gmail.com