حكومة لفلسطين.. وليس لـ «فتح»

16-03-2019
د. ناجي صادق شراب

..وأخيراً تم تكليف الدكتور محمد اشتية عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» برئاسة وتشكيل الحكومة ال18؛ وهو ما يعنى منذ البداية، أنها حكومة ل«فتح»، وهذه أولى التحديات؛ إذ كيف يمكن أن تُعبر عن الكل الفلسطيني في ظل الانقسام السياسي، ورفض بقية الفصائل المُشاركة فيها؛ بل وتعرضها للنقد والهجوم منذ اليوم الأول لتكليف اشتية. كما أنه لا يمكن اعتبارها حكومة توافق وطنية أو حكومة وحدة وطنية؛ فالحكومة السابقة، ورغم كل مظاهر الضعف والوهن، وعدم قدرتها على التمكين السياسي في غزة حتى في الضفة؛ بسبب الاحتلال، فإنها كانت تعبر ولو شكلياً عن التوافق الوطني. أما الحكومة الجديدة، فإنها جاءت بناءً على توصية من اللجنة المركزية لحركة «فتح»، وكأنها رسالة صريحة وواضحة؛ مفادها أنه بما أن «حماس» هي من تحكم في غزة، فمن حق «فتح» الراعية للمشروع الوطني الفلسطيني، أن تحكم في الضفة، ولهذا المعنى دلالات سياسية عميقة وخطرة؛ حيث تعد إعلاناً رسمياً عن البدء بمرحلة الانفصال السياسي؛ إذ تأتي الحكومة مع اقتراب إعلان «صفقة القرن». والسؤال هنا: كيف ستتعامل الحكومة معها؟
وتأتي الحكومة في ظل ابتعاد غزة خطوات كثيرة، بما نراه من تحركات سياسية ترمي إلى تعميق حالة الانفصال السياسي. وفي ضوء ذلك لا يمكن لأي مراقب أن يعدها حكومة وحدة وطنية، أو أنها ستكون قادرة على إعادة اللحمة الوطنية، وهي غير قادرة على تهيئة البيئة السياسية الصالحة للانتخابات، وهذا يعنى في المحصلة النهائية سقوط بعض التكليفات عن الحكومة منذ البداية؛ مثل: تكليف الوحدة الوطنية؛ وتكليف الانتخابات.
لا يمكن لأي مراقب للحالة السياسية الفلسطينية إلا أن يرى الحكومة في سياق سياسي آخر، وهو التهيئة لمرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس، وهي المرحلة التي بدأت بخطوات متدرجة؛ أولها تعيين الدكتور صائب عريقات أميناً لسر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وتعيين محمود العالول نائباً لرئيس حركة «فتح»، إضافة إلى بعض التغييرات في القيادات الأمنية.
وفي أعقاب حل المجلس التشريعي، والعودة للمجلس الوطني، والمجلس المركزي؛ حيث تسيطر حركة «فتح»، ومن ثم تقديم استقالة حكومة التوافق الوطني، تأتي خطوة تشكيل الحكومة برئاسة «فتح»، وبذلك تكتمل سيطرة «فتح» على مقاليد السلطة الفلسطينية. ومع كل حكومة فلسطينية جديدة، يرتفع سلم التوقعات بدرجة أعلى من قدرة أي حكومة على الاستجابة لها؛ ما يخلق فجوة كبيرة بينها وبين المواطن. هذه الحكومة لا تحمل عصا سحرية، تفجر الينابيع والرزق والخير للجميع. هذه الحكومة تأتي في سياقات فلسطينية و«إسرائيلية» وإقليمية ودولية تفوق ليس فقط قدرة الحكومة؛ بل قدرة السلطة ذاتها، وقدرة منظمة التحرير؛ لذا علينا التقليل من توقعاتنا فيما قد تنجزه هذه الحكومة، فهي لن يكون بمقدورها إنهاء الاحتلال، أو إنهاء الانقسام السياسي، كما أنه ليس بمقدورها إجراء الانتخابات، ولا تسليم الرواتب مثلاً، فهذه قضايا تناقش خارج الحكومة وخارج سلطاتها وصلاحياتها. الحكومة تأتي في ظل أزمة مالية واقتصادية كبيرة تفوق الموارد المتاحة؛ لذا أرى أن تركز الحكومة على هذا الملف بشكل مباشر، وتجري دراسة معمقة، وتأخذ قرارات جريئة؛ للتغلب ولو بنسبة عالية على هذه الأزمة؛ مثل مراجعة سلم الرواتب العالية، والإنفاق الحكومي والامتيازات التي تمنح، ومراجعة السلك الدبلوماسي والأمني الذي يستحوذ على نسبة كبيرة من الميزانية. هذه خطوات ليست سهلة؛ لكنها يمكن أن تقلل من أعراض الأزمة المالية، وترفع من كفاءة الحكومة. ومن التحديات المهمة تشكيلة الحكومة، فلا نريد حكومات دوارة، وتكرار نفس الوجوه، ووزراء حتى الموت. فالتغيير مطلوب، وأن يكون الاختيار حسب المهام والتحديات، والابتعاد قدر الإمكان عن الهيمنة الأُحادية لحركة «فتح»، وأن تعبر ولو بدرجة بسيطة عن الكل الفلسطيني. المطلوب حكومة تمثل كل الشعب، وليس الفصائل، نريد حكومة دولة تؤسس لمؤسساتها.
لهذه الأسباب المطلوب حكومة استثنائية لظرف استثنائي، قادرة على التكيف مع كل الاحتمالات السياسية، وقادرة على ملء الفراغ السياسي. ونتمنى استخدام مصطلح حكومة دولة فلسطين، ورئيس وزراء دولة فلسطين. من حق كل مواطن فلسطيني أن يحلم بحكومة دولة فلسطين، وأن تبدأ بمبادرة سياسية قوية؛ للم الشمل الفلسطيني؛ كي نتمكن من مواجهة الظروف الصعبة والخطرة التي تمر بها القضية الفلسطينية.

drnagishurrab@gmail.com