بطلان ملكية المال المغتصب

15-03-2019
د. عارف الشيخ

يحلو لبعض الناس استغلال سلطته أو منصبه أو طول لسانه، فيستحلّ بذلك أموالاً ليست له أو بيوتاً يستوطنها ويدعي ملكيتها، وربما لفّق وزوّر أوراقاً ورفعها إلى القاضي، فأخذها بحكم القاضي الذي يحكم بالظاهر.
ويغفل مثل هذا عن الآية الكريمة: «لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل»، (الآية 29 من سورة النساء).
يقول القرطبي: «الخطاب بهذه الآية يتضمن جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى: لا يأكل بعضكم مال بعض بغير حق، فيدخل في هذا القمار والخداع والغصوب وجحد الحقوق وما لا تطيب به نفس مالكه، أو حرمته الشريعة وإن طابت به نفس مالكه كمهر البغي وحلوان الكاهن أو أثمان الخمور والخنازير وغير ذلك»، (انظر القرطبي ج2 ص 338).
نعم.. أجمع فقهاء الإسلام على احترام حق الملكية لكل إنسان مهما يكن دينه أو فكره أو معتقده، فكل من ثبتت ملكيته لشيء مادياً كان أو معنوياً فلا يجوز أن ينازع في ملكه أو يغتصب منه ظلماً فالله تعالى يقول: «ومن يغلل يأتِ بما غلّ يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون»، (الآية 161 من سورة آل عمران).
فالظلم والاغتصاب جريمة أخلاقية يعاقب عليها الشرع والقانون قديماً وحديثاً، ولا يجوز تملّك مال الغير بقوة العضلات وطول اللسان وفي الحديث: «إنكم تختصمون إليّ ولعل بعضكم ألحن من بعض بحجّته، فمن قضيت له بحق أخيه شيئاً بقوله فإنما أقطع له قطعة من النار فليأخذها»، (رواه البخاري).
إذن فإن الغصب حرام، والمتاجرة في المحرّم حرام، والمال الذي يكتسبه الإنسان بطرق غير قانونية حرام شرعاً، ومن تملّك شيئاً وهو لم يملكه شرعاً وقانوناً فهو كالمال المغتصب
وقد قال الفقهاء بحرمة الصلاة في البيوت المغتصبة، فلا يجوز لغاصب البيت ولا لزوجته وأولاده الصلاة فيه، وقال ابن حزم: «لا تصحّ الصلاة في أرض مغصوبة ولا مُمتَلكة بغير حق من بيع فاسد أو هبة فاسدة أو نحو ذلك»، (انظر المحلّى ج2 ص 351).
أجل.. فمن ملك بناية أو شركة بناءً على حكم القاضي وهو يعلم أنها ليست له شرعاً وقانوناً، فإن حكم القاضي لا يبيح أخذ المال والعقار بغير وجه حق.
وبناء على هذا فإن مثل هذا الغاصب أو هذا الظالم لو مات ولم يرجع عن غيّة وترك مالاً فإن هذا المال حرام، وعلى ورثته ألا يأكلوا أموال الناس بالباطل، ولا يقولوا بأنه ملك أبيهم، وهم يعلمون أن تملّكه كان باطلاً، وما بُني على باطل فهو باطل.
ولا يجوز أن يقال بأن ذلك المال المحرّم بعد أن أصبح ميراثاً لأحد يصبح حلالاً بالتقادم.
يقول جمهور فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة بأن الموت لا يطيّب المال الحرام، وفي مثل هذه الحالة يجب على الورثة أن يردّوا المال إلى مالك المال الأصلي إن عرفوه، وإلا وجب التصدّق به على الفقراء إبراءً للذمة (انظر حاشية ابن عابدين ج5 ص 104، والمجموع ج9 ص 428، والإنصاف ج8 ص 323، وانظر أيضاً الفتاوى الكبرى لابن تيمية ج1 ص 478).
وقد ذكر ابن رشد الجد من المالكية هذه المسألة صراحة فقال: «وأما الميراث فلا يطيِّب المال الحرام، هذا هو الصحيح الذي يوجبه النظر، وقد رُوي عن بعض من تقدم أن الميراث يطيّبه للوارث وليس ذلك بصحيح»، (انظر المقدمات الممهدات ج2 ص617).