تحوّلات المعاني عبر العصور

15-03-2019
عبداللطيف الزبيدي

ما هي حدود أصالة المعاني في المفردات؟ بعد هذا السؤال: إذا كانت المعاجم المتقدمة تُعنى بعلم تطوّر المعاني، فهل تصبح للنص الواحد قراءات مختلفة باختلاف العصور؟ ما هي انعكاسات تحولات المعاني على النص وعلى فهم القارئ وطريقة تلقيه؟ اختار القلم نموذجاً بعيد المدى، وسيظل لا نهائي التوسّع والتطور في المعنى، إلى أن ينتهي طريق العلم!
الآية الكريمة لا حدود لها في توسّع التلقي، ومواكبة اتّساع عدسة العلوم: «...ويتفكّرون في خلق السماوات والأرض ربّنا ما خلقت هذا باطلاً...» (آل عمران191). الآية ذاتها تتجاوز حدود اللغة والإدراك اللفظي، إلى المنهج العلمي بالحثّ والتحريض. الذين يتفكرون في خلق الكون، يجب أن يكون تفكّرهم يمتلك الأدوات المساعدة، أي الوسائل القادرة على أن تمخر هذا العباب. أنت إذا أردت أن تخوض غمار الشعر الرفيع، فلا أقلّ من امتلاك مقاليد اللغة أوّلاً، ثم الحدّ المعقول من الإحاطة بلغة الشعر التي تختلف عن اللغة العادية، مع استعداد جيّد للإحساس بالجمال.
في الآية نحن أمام خطين متوازيين: الأوّل هو المعاني المعجمية للمفردات والمعنى الذي يشكّله مجموعها، أمّا الأهم فهو الخط الآخر الذي يتوسّع باتساع عالم العلوم. حتى مطلع القرن العشرين، كان علماء الفيزياء يحصرون الكون في سكة التبّانة أو اللبّانة. اليوم نعلم أن عدد المجرات ألفا مليار، والأرجح أنه أكثر، هذا إذا لم تكن ثمّة أكوان موازية. حتى سنة 1920 لم يكن أيّ عالم فيزياء يعلم لماذا تنير الشمس بهذه الطاقة العظمى، ولا ما يجعل النجوم تضيء؛ لأن العلماء لم يكونوا قد اكتشفوا الطاقة النووية، ولا علم لهم بتفاعلات الانصهار النجمي. مسيرة تطوّر تلقي الآية، تختلف بالضرورة من عصر إلى عصر، فيكون التحوّل من الإدراك بلاغيّاً وإيمانياً، إلى إضافة الإدراك الذي يتسع فيه المعنى بشحنة المعطيات العلمية، التي تزيد الإيمان أبعاداً وآفاقاً.
لزوم ما يلزم: النتيجة القياسية: المنهج نفسه ينطبق على نصوص التراث الأدبي، استمتعوا بالتطبيقات.

abuzzabaed@gmail.com