سنظل أسرى البدايات

15-03-2019
د. حسن مدن

ما أكثر المؤتمرات والندوات وورش العمل والحلقات المستديرة التي تناقش ما يمكن أن نطلق عليه قضايا الساعة في العالم العربي!!، لكن يلاحظ أن المحاور والموضوعات التي تناقش هذه الأنشطة متشابهة إلى حد الضجر. وعندما يفكر منظمو الندوات أو الملتقيات المعنية في وضع محاور البحث والمناقشة فيها يتصرَّفون كأن الموضوع يبحث أول مرة، فينطلقون من أولى البديهيات، ليكون الناتج أن المشاركين في تلك الأنشطة يكررون ما سبق أن قالوه هم أنفسهم في ندوات مشابهة سابقة، أو قاله سواهم في أنشطة أخرى.

ومن النادر أن تُبنى ندوة أو مؤتمر على خلاصات أو نتائج مؤتمر آخر سبقها، لينطلق منها نحو آفاق جديدة غير مدروسة تحتاج للبحث والتأصيل؛ لتحقيق الإضافة على ما سبق أن قيل أو بحث، والانطلاق من هذه الإضافة، هي الأخرى، نحو أفق جديد.

التراكم وحده معيار الإنجاز، ذلك أن الأمور الحاسمة في ميادين الفكر والنشاط الإنساني الخلاق لا تتحقق دفعة واحدة، إنما بالتراكم الذي يفضي، مع الزمن، إلى تحولات نوعية. والتراكم لا يتحقق بالتكرار، وإنما بالإضافة لما هو منجز أو قائم، وحتى لو كانت هذه الإضافة محدودة، فإن أهميتها تنبع من كونها خروجاً عن المراوحة في الدائرة نفسها.

ليس غريباً بعد ذلك، أن تغدو أنشطتنا الفكرية عاجزة عن أن تحدث النقلة المنشودة في مجال تطوير استجاباتنا لما حولنا من تحدّيات؛ لأنها تظل تطرح الأجوبة ذاتها عن أسئلة سبق أن طرحت مراراً، أي أنها تخفق في إثارة أسئلة جديدة، أو على الأقل مقاربة إجابات مختلفة عن أسئلة مثارة، غير تلك الإجابات المتداولة، والتي تتحول، مع التكرار، إلى «كليشهات» فيها من البلادة والخمول والكسل أكثر مما فيها من اليقظة والحيوية والجدة.

إن الركون إلى ما قيل سابقاً مراراً دون التبصر في محتواه يصبح مع الزمن عائقاً بوجه تطوير المعرفة، خاصة عندما يتصل الأمر بواقع شديد التعقيد، والتشويه أيضاً، مثل واقعنا العربي، يحتاج إلى النظر بعناية إلى الآليات التي تحكم عمل بناه الاجتماعية والفكرية، وتحليلها في جهد دؤوب ومستمر، ليس من أجل تفسيرها فحسب، وهو أمر مهم، وإنما أيضاً تغييرها.

وهذا لن يتحقق إذا ما استمرت المرواحة في تكرار البدايات التي تكفّ مع الوقت عن أن تكون بديهيات؛ لأن الزمن تجاوزها، بدل المجاسرة في تجاوزها والانطلاق منها لما هو أبعد، استفادة من جديد العلم والتقانة.

madanbahrain@gmail.com