خريطة طريق للجزائر

15-03-2019
صادق ناشر

الخطوة التي أقدم عليها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، المتمثلة بالانسحاب من الانتخابات الرئاسية التي كان مقرراً أن تجرى في ال 18 من إبريل المقبل، وعدم الترشح لولاية جديدة، نزعت فتيل أزمة عميقة في البلاد، وإن لم تتمكن من إنهائها تماماً نظراً لاستمرار الكثير من الأطراف السياسية التشكيك في هدفها، غير أنها في نهاية المطاف وضعت الجزائر أمام استحقاق سياسي واجتماعي وحتى دستوري جديد، من شأنه أن يغير وجه البلاد بشكل كامل خلال العقود القادمة.
خطوة بوتفليقة، التي لقيت ارتياحاً في أوساط العديد من أبناء الشعب الجزائري، التوّاق إلى الخروج من أزمة الذهاب إلى «العهدة الخامسة»، التي كان من شأنها أن تقود البلاد إلى سكة الفوضى، تحت شعار «التغيير»، حيث ارتكزت الخطوة على عدد من القضايا، أبرزها: تشكيل ندوة وطنية جامعة مستقلة تتمتع بالسلطات اللازمة لدراسة وإعداد واعتماد كل أنواع الإصلاحات التي ستشكل أسس النظام الجديد، والتزام بأن تكون عادلة من حیث تمثيل المجتمع الجزائري بمختلف مشاربه ومذاهبه، على أن تتولى تنظيم أعمالها بحرية تامة ھیئة رئاسية تعددية، على رأسها شخصية وطنية مستقلة تحظى بالقبول والخبرة، حيث يتوقع أن يقودها السياسي المخضرم الأخضر الإبراهيمي، كما يناط بالندوة إعداد مشروع دستور جديد يعرض على الاستفتاء الشعبي وتحديد موعد تاريخ إجراء الانتخابات المقبلة.
تلك هي الخطوط العريضة التي قدمها بوتفليقة في رسالته، التي أعلن فيها عدم نيته الترشح للانتخابات المقبلة، وهي بمثابة خريطة طريق يأمل الكثير من المراقبين أن تؤدي إلى إخراج البلاد من المحنة التي تمر بها، خاصة في ظل حالة الاستقطاب التي يعيشها الشارع الجزائري، منذ ما يقرب من الشهر كادت أن تذهب بالبلاد إلى مخاطر كبيرة، نظراً لتشابه الظروف التي عاشتها دول مجاورة للجزائر، مثل ليبيا وتونس ومصر، وبعيدة عنها كسوريا واليمن، وأسفرت عن دخول العديد منها مرحلة الفوضى والحرب الأهلية، التي لا تزال تحصد حتى اليوم الآلاف من القتلى والجرحى.
ومع أن الجزائريين خرجوا إلى الشوارع، مبتهجين بقرار بوتفليقة التخلي عن الإصرار على خوض التحدي مع خصومه إلى النهاية، مع ما يمثله ذلك من مخاطر انزلاق البلاد إلى ما هو أسوأ.
مع ذلك، فإن اتساع رقعة الرافضين للخطوة المقدمة من الرئيس، تضفي على المرحلة المقبلة الكثير من المخاوف والقلق، خاصة وأن المعارضين يرون فيها مخالفة دستورية، ويعتبرونها بمثابة تمديد للولاية الرئاسية الحالية لبوتفليقة، ما يعني أن الأزمة لا تزال تراوح مكانها، وفي حاجة إلى خطوة عملية تنهي مخاوف المعارضين، وهو ما أشار إليه رئيس الوزراء الجديد نور الدين بدوي، الذي أكد أمس وجود تشاور لتشكيل حكومة، تشارك فيها كل الكفاءات والطاقات، بمن فيها الشباب، الذين كانوا في صدارة المشهد.

Sadeqnasher8@gmail.com