مكر الرواية

14-03-2019
علاء الدين محمود

لعل من الأسباب التي لم يتم تناولها كثيراً في سياق الحديث عن تصدر الرواية للأجناس الأدبية، هو مقدرتها على تمرير العديد من القضايا التي يسكت عنها المجتمع، فهي تبرز هنا كسلطة تمتلك من الأدوات (التقنيات واللغة والرموز) ما يمكنها من ممارسة ذلك الفعل، فالكاتب يحمل فكرة تجاه السائد، ويريد أن يطرحها بأقل تكلفة، وبعيداً عن عين الرقيب، فيلجأ إلى نوع من الكتابة الماكرة، ويبث فيها روح السرد، بحيث يمرر فكرته عبر لغة هي الأخرى لا تخلو من المكر بما تحمله من دلالات وتكثيف ورموز، أو أن يلجأ إلى استعارة فضاء أسطوري يجري عليه الاشتغالات اللازمة، ومن ثم يسقطه على الواقع، ومن المعروف أن الأسطورة هي مجال خصب، محتشد بالعلامات والرموز، ليأتي دور القارئ في عملية التأويل مستعيناً بخبرته في القراءة، أو ما يلقيه عليه النص من مفاتيح تشرح بعض جوانب المحكي عنه، وتزيل المبهم.

وبحسب أمبرتو إيكو، هنالك نوعان من القراء، الأول هو ذلك الذي يفتش وينقب في أصول الرواية، ومصادرها، ولحظة تكوينها، ويبحث ما بين سطورها ووقائعها وأحداثها، ليخرج المعنى الذي أراد الكاتب أن يقصيه بعيداً، فتلك هي فكرة «رواية داخل رواية»، والثاني، هو الذي يطلق عليه إيكو صفة القارئ الفعلي، وهو الذي يلج فضاءات المتن السردي، كما هو معطى، من دون البحث عن الواقع الذي يحاكمه الكاتب.

والواقع أن هنالك الكثير من الروائيين العرب الذين برعوا تماماً في تحميل العمل الروائي أكثر من نص، أو حكاية، وهو ما يسمى بالسرد متعدد المستويات، ومن أبرزهم نجيب محفوظ، وبصورة خاصة في «أولاد حارتنا»، و«الحرافيش»، وعلى نحو ما في «اللص والكلاب»، و«السمان والخريف»، وكثير من الأعمال التي حشد فيها الرموز ووظف خلالها الأسطورة، وهذه العملية قد أثرت السرد الروائي بشكل عام ثراءً كبيراً.

والحقيقة أن هذه الطريقة السردية التي تحشد العمل بالمضامين، ليست غريبة على التراث العربي، فهي موجودة في المحكيات العربية القديمة مثل قصص «شهرزاد»، وحالياً، مع تطور الرواية وأدواتها، صارت مساحة يبث فيها الكتّاب أفكارهم ورؤاهم التي قد تتصادم مع المجتمع، فالكاتب عبده خال يقول: «لست محايداً في الكتابة، وأستغل شخصيات الرواية في تمرير أفكاري»، فيما يرى الروائي الشاب سعود السنعوسي «أن هناك الكثيرين، ممن يصفّون حساباتهم مع الواقع عبر الرواية، فالذي لا نستطيع فعله في الحياة بشكل حقيقي، نمارسه بخيال الفعل الروائي، فبالإمكان أن يمرر الكاتب رؤيته عبر صناعة شخصياته الروائية». فهذا الأسلوب في الكتابة صار عنواناً للأعمال الروائية في هذا العصر الذي يمضي فيه الإنسان فرداً وحيداً يحمل أثقال عجزه.

alaamhud33@gmail.com