أقدم القديم أحدث الحديث

14-03-2019
عبداللطيف الزبيدي

ماذا يعني أن الإنجازات والبحوث العلمية قيد الاختبار، توجد لها أحياناً تصوّرات معرفيّة اهتدى إليها العقل البشري قبل عشرات القرون؟ من العجيب أن نرى الومضات الفلسفية والتجليات الصوفية، بذاتها وصفاتها في صميم توجهات «ما بعد الإنسان» (ترانزومانيسم).إذاً، لا أقل من أن نكفّ عن النظر إلى عالم العرفان على أنه شطحات، وأن الفلسفة ليس في أبوابها الخلفية ما يؤدي إلى أبعد الغايات العلمية، وأن نصوص الأديان تنحصر في الأخلاقيات والتشريعات. المراجعة الفكرية هكذا ضرورية للتحولات الذهنية.
التنافر التاريخي بين الفلسفة والتصوف باطل، فهما يلتقيان في أمور جوهرية، والغريب أن هذا اللقاء يجري على طريق أحدث مسارات العلوم.أروع ملتقى للثلاثي نراه في مبحث الروح والوعي. مقولة أفلاطون (القرن الرابع قبل الميلاد):«الجسد قبر الروح»، وردت في أقوال المتصوفين في كل الديانات، ولها في التصوف الإسلامي تخصيصاً، ألوف النظائر. بعد 24 قرناً يأتي دعاة
«ما بعد الإنسانية» بالرؤية الاستشرافية لمستقبل الدماغ البشري.بل إن الحديث عن الاستشراف قد لا يكون صحيحاً،لأن البحوث دخلت طور الاختبار، وقد لا تكون بعيدة من الثمار.
المنطلق الذي سيغير مصاير الإنسانية ومفاهيم الحضارة، هو ملتقى المعلوماتية والعلوم العصبية والذكاء الاصطناعي. هل من حاجة إلى تحذير العالم العربي من التخلّف عن هذا القطار الذي لن يكون مرئياً أصلاً ولا له سكة حديد ولا ركّاب تقليديون؟ العرب الذين يستخدمون محرّك البحث جوجل صباح مساء، وفيسبوك وأبل وأمازون،عليهم أن يدركوا أن هذا الرباعي عاكف ليل نهار على بلوغ هذا الهدف وغيره.المسافة بين المتخلفين والمتقدمين ستكون نجومية وربما فارقة ساحقة حضارياً. ما يرمي إليه أهل «ما بعد الإنسانية» هو اختصار الآدمي في برمجية دماغه، التي هي مئة ألف مليار من التشابكات العصبية، حينئذ يمكن تخزينها في ذاكرة عشوائية (يو.إس.بي) ونصبها في حاسوب أو روبوت.
لزوم ما لا يلزم:النتيجة التحذيرية:المستقبل لن يستقبل الذين ليس لأدمغتهم مستقبلات فورية.

abuzzabaed@gmail.com