الطيب صالح والكتابة السياسية

14-03-2019
فيصل عابدون

لا تكاد الرمزية السياسية وأحيانا الرسائل الصريحة تغيب عن كتابات الروائي العالمي الراحل الطيب صالح. وهو في ذلك لا يختلف عن غيره من كبار الكتاب في العالم، فالكتابة الأدبية هي في أعلى مراحل نضجها تعبير عن حياة الناس واستشراف لمستقبلهم عبر المسارات السياسية الإيدولوجية والدينية.
وتظهر الرمزية السياسية في قصة «دومة ود. حامد» وهي قصة قصيرة تبرز في ثناياها قضية الثقة المفقودة بين الحكام والمحكومين والعناد المتبادل الذي يقود في نهاية الأمر إلى صدام لم يكن ضرورياً و تسبب في إهدار فرصة لتطوير حياة سكان القرية.
الأزمة نشأت بعد قرار الحكومة إنشاء «معدية» على النهر لتسهيل تنقل أهالي القرية بين ضفتيه، لكنها اختارت إنشاء المعدية عند شجرة الدوم التي يقدسها السكان فرفض الأهالي المشروع برمته طالما كان يعني التضحية بالشجرة المقدسة.
وكان وفد الحكومة قصير النظر بحيث أنه لم يدرك أنه بالإمكان إنشاء المشروع في موقع آخر بعيداً عن الشجرة، كما أن الأهالي اعتبروا المشروع استهدافاً لمقدساتهم، فاستبد بهم الغضب وفشلوا في اقتراح موقع آخر بديل.
وتتبعت حلقة دراسية بإحدى الجامعات الأمريكية الإشارات السياسية في قصة «حفنة تمر» وهي تحكي عن رجلين أحدهما كان غنياً ويملك الأراضي والأطيان والبساتين لكنه يبدد كل ذلك لأنه كان محباً للحياة والاستمتاع بحياته. والآخر كان رجلا صارما وهو الذي نجح في الاستيلاء على كل ممتلكات الرجل الآخر وحيازتها وكان آخرها شجرة النخيل التي كان يحبها الرجل الذي افتقر بعد غنى.
الحلقة الدراسية رسمت صورة الرجل المحب للحياة وغير القادر على المحافظة على ممتلكاته في صورة دول العالم الثالث الغنية بالثروات لكنها تعاني الفقر في مقابل الرجل الصارم ضعيف العاطفة في صورة الدول الاستعمارية المستغلة التي تستولي على ممتلكات الآخرين لتزداد ثراء على حساب دول العالم الثالث بدلاً من مقاسمتها الثروات.
هذه الرؤية برزت بوضوح أكثر في قصة «موسم الهجرة إلى الشمال» وهي الرواية الأكثر شهرة بين روايات الطيب صالح. واتفق النقاد على الدلالات الرمزية التي تضمنتها القصة وكونها تمثل توضيحا للعلاقة الملتبسة على مستوياتها كافة بين الشرق والغرب وعن العبارة الذائعة الصيت التي تقول إن الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا.
ورواية «موسم الهجرة إلى الشمال» هي رواية سياسية بامتياز وهي في ذات الوقت قمة أدبية سامقة ومتعة لا تضاهى في القراءة. أما رواية «بندرشاه» فتحمل في طياتها مضامين لاتخفى عن ضرورات التعايش المجتمعي على الرغم من الاختلافات والتباينات الدينية والثقافية والعرقية وتظل بقيمتها الأدبية ومدلولاتها السياسية صالحة لكل زمان ومكان.
الطيب صالح كتب أيضاً كتابات سياسية صريحة عن طبقة الحكام الوطنيين بعد رحيل الاستعمار عن وطنه السودان. وسجل في سلسلة مقالات بقلمه الرشيق آراءه في أنماط التفكير والسياسات التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة.

Shiraz982003@yahoo.com