«باب الرحمة»... باب الانتفاضة

14-03-2019
عوني صادق

المعركة المفتوحة التي بدأتها الجماهير الشعبية عندما فرضت الأمر الواقع وفتحت بالقوة مصلى «باب الرحمة» في 22/ شباط الماضي، لم تنته ولم تغلق بعد. وقد كان واضحاً أن التراجع «الإسرائيلي» «تكتيكي» تلافياً للمواجهات الواسعة التي كان يمكن أن تندلع لو لم تتراجع سلطات الاحتلال مفضلة «العمل التدريجي الهادئ». ومثلما أعادت تلك المعركة الكشف عن مخططات سلطات الاحتلال القديمة إزاء المسجد الأقصى و«الحوض المقدس»، فتحت باباً للانتفاضة التي تنتظر ساعتها منذ معركة «البوابات» في تشرين الأول/أكتوبر 2015 المنتصرة أيضاً.
وبينما تواصلت كل أشكال الاعتداءات من جانب المستوطنين وجنود الجيش والشرطة «الإسرائيلية» على المواطنين وممتلكاتهم في الضفة الغربية، اتجهت القيادة «الإسرائيلية» للتصعيد وزيادة الضغط على غزة. ومع كل انشغال بنيامين نتنياهو وخصومه بالحملات الانتخابية، فإن برامج الاستيطان والتهويد لم تتأثر ولم تتوقف، بل ارتفعت وتائرها. كل ذلك في وقت يستمر العبث في الجانب الفلسطيني، وممارسات «الفصيلين الكبيرين»، وكلاهما ينتظر ما ستسفر عنه الانتخابات وكأن شيئاً سيتغير في السياسات «الإسرائيلية»، أياً كان الفائز في الانتخابات!
فمن جهة، وبعد أن فتح المقدسيون باب الرحمة بالقوة، وسعياً من سلطات الاحتلال وأجهزتها الأمنية لمنع وقوع مواجهات واسعة، استدعيت الوساطتان المصرية والأردنية للتدخل للبحث عن «حل وسط»، يؤجل الصدام إن لم يحقق الأهداف «الإسرائيلية». وكانت المحكمة «الإسرائيلية» قد أصدرت قراراً يقضي بإعادة إغلاق المصلى، وأعطيت «دائرة الأوقاف الإسلامية» مهلة أسبوع للرد على طلب الإغلاق. لكن الأوقاف، وبعد جلسة طارئة، أعلنت أن «باب الرحمة» لن يغلق وهو تابع للمجلس الأقصى وليس لأحد عليه سلطة غير الأوقاف. وفي الوقت الذي أعلنت فيه سلطات الاحتلال عن موافقتها على عملية الترميم للمصلى والتي كانت قد أعلنت عنها الأوقاف، اشترطت أن تشرف مصلحة الآثار «الإسرائيلية» على عملية الترميم، وهو ما رفضته الأوقاف. ولم يتغير الوضع حتى الآن، ولم تتوقف اقتحامات المستوطنين الذين يطالبون باقتحام المصلى وتحويله إلى كنيس، ولا يزال الوضع على حاله بعد «المباحثات المكثفة» بين «الإسرائيليين» والأردنيين! وأشيع أن «حلاً وسطاً» هو قيد التبلور. والغرض «الإسرائيلي» هو تحقيق إغلاق تدريجي يوصل إلى إغلاق كامل دون الدخول في مواجهات واسعة قد تتحول إلى ما هو أكثر.
بنيامين نتنياهو، كما يقال، يريد هدوءاً في قطاع غزة وفي القدس حتى تنتهي الانتخابات. لكن ما يحدث على الأرض من إجراءات وممارسات واعتداءات «إسرائيلية» في الضفة والقطاع، يشير إلى أن «الرغبة» في الهدوء لا تتعارض مع كل ما تقدم عليه سلطات الاحتلال والمستوطنون والجيش «الإسرائيلي». فالاقتحامات للمسجد الأقصى وباب الرحمة، كما الإغارة والاعتداءات على غزة مستمرة، الأمر الذي يبقي الباب مفتوحاً لانفجار هنا أوهناك، لكنه مرهون بالمواقف التي تتخذها السلطة الفلسطينية في رام الله، وتتخذها حركة (حماس) في غزة. ففي القدس يؤدي فشل التوصل إلى الحل الذي يرضي المقدسيين لإلغاء الحصار عن المصلى، في نهاية المطاف إلى انفجار الوضع في القدس، وربما في الضفة. والتسريبات التي تتحدث عن «تفاهمات» بين «الإسرائيليين» وحركة (حماس) بعد آخر زيارتين ل «الوفد الأمني المصري الرفيع» في غزة، تكشف أن الجهد هو لتخفيف الحصار عن غزة ليترك الضفة عالقة في أسنان الاحتلال.
وعلى خلفية الأوضاع الجاهزة للانفجار في الضفة، تزداد التسريبات حول «صفقة القرن»، وتلعب الهرولة لتطبيع العلاقات مع تل أبيب دوراً في تشجيع القيادة «الإسرائيلية» والإدارة الأمريكية على تنفيذ وتسريع ما بقي من «خطة» ترامب التصفوية، الأمر الذي لا يترك أمام الفلسطينيين خياراً إلا إنهاء الاحتلال، وهو ما يؤكد الحاجة إلى انتفاضة شاملة تفشل الخطة التآمرية. وإذا كان الموقف الفلسطيني الرسمي في رام الله وغزة رافضاً حقاً ل «صفقة القرن»، لا يبقي من معوقات سوى المواقف والممارسات الفئوية غير المسؤولة من جانب من يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن القضية الوطنية!

awni.sadiq@hotmail.com