لماذا كل هذا الجدل؟

13-03-2019
عبدالله الهدية الشحي

لم يجلب الجدل الذي كان يدور حول طبيعة عيسى عليه السلام، وجنس الملائكة، وحجم إبليس، أي فائدة تذكر للإمبراطورية البيزنطية، حين انتشر وعم كل طبقات المجتمع رغم كل محاولات الإمبراطور قسطنطين الحادي عشر الرامية إلى الوقوف في وجه هذا العقم الفكري، والحد من امتداده، فقد وصل هذا الداء الجدلي إلى جميع المجالس والمحافل، حتى اقتحم مجلس شيوخ الإمبراطورية وساد جلساته دون أي انتباه يذكر تجاه الخطر الذي يهدد عاصمة الإمبراطورية، التي كانت حينها تئن تحت وطأة الحصار، وتقترب من خطر اقتحامها وسقوطها العسكري.
يقال بأن المستمعين في حال الحوار والنقاش ينقسمون إلى: شخص يفهم كلامك على الوجه الذي تريده، وشخص يفهم كلامك على الوجه الذي هو يريده، وشخص لا يفهم كلامك ويلوذ بالصمت، وشخص لا يفهم كلامك ويجادلك عن جهل، أما من حيث التسامح والصراحة فهناك شخص يصارح ويسامح، وشخص يصارح ولا يسامح، وشخص لا يصارح ويسامح، وشخص لا يصارح ولا يسامح، أما بالنسبة للمنافسة حول كسب النتائج على وجهيها الخاص والعام فالناس ينقسمون في المنافسة إلى: أربح وتخسر، أو أخسر وتربح، أو نربح معاً، أو نخسر معاً، وفي واقع كل ما سبق ذكره، كثيراً وغالباً ما يأخذ الحوار منحى بعيداً عن الواقع المأمول منه الفائدة، خاصة إذا ابتعد عن غايته النبيلة، والمتمثلة في التنوير والتذكير والتنويه والتنبيه والتغيير في سبيل نيل الأفضل وفق مبادئ الاحتواء والإقناع والإيمان بحق الجميع في طرح الآراء والدلائل والحجج والبراهين.
يكثر في أيامنا هذه في مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة عبر برنامج «تويتر» الجدل المتشنج والنقاش المستقطب والرد المتعصب حول بعض القضايا المجتمعية والفكرية، يحدث كل هذا من قبل قلة من المختصين والمتخصصين، وكثير من العامة الذين تتنوع أهدافهم وغاياتهم في سبيل الحرص على تعميم الفائدة وإبداء الرأي المتزن والرزين من جهة وحب الظهور أو السعي للإثارة بهدف لفت الانتباه وحب الظهور وزيادة عدد المتابعين وإن كان على حساب البلبلة والضجة وكسب العداوة وخلخلة النسيج المجتمعي المتناغم بفكره وقيمه وسلوكه من جهة أخرى.
جميعنا مع نشر الثقافة المفيدة، والفكر الوسطي، ومع التنوير الذي يقوم على الأسس الصحيحة، وكلنا مع التغيير للأفضل، ومع احترام كل الاتجاهات الفكرية المشرقة التي تؤصل الجذور، وتعتز بماضيها وتحترم بذات الوقت الاختلاف المحرك للسكون، الذي ينطلق إلى المستقبل برؤى التجديد المدروس، والمعرفة الخلاقة التي تتخذ من التحليل والاستنباط والابتكار منهجاً للتقدم والرقي العلمي والثقافي والفكري.
وسط هذا العالم الذي تتجاذب وتتداخل فيه الثقافات، وتأتلف وتختلف فيه الاتجاهات الفكرية والميول الإنسانية، نريد حواراً يعتمد على: «خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين»، وعلى حوار أو نقاش يحرص على مد جسور التسامح، وعلى نقد الفعل لا الفاعل، والفكرة لا صاحبها، بعيداً عن شخصنة الحوار وإقرانه بذات هذا أو ذاك، كي لا نبتعد عن موضوع الحوار البناء، البعيد عن الجدل المبني على الأوهام، ونتجه به من أجل غاية في أنفسنا نحو تعميق الخلاف وكسب العداوة أو التراشق بالألفاظ والعبارات غير المحببة لنجد أنفسنا في نهاية المطاف في ديمومة ودوامة الخلاف رغم وجود نقاط التوافق أو في معمعة الجدل البيزنطي رغم إدراكنا لعدم جدواه.

aaa_alhadiya@hotmail.com