غناء سياسي وسياسة غنائية

13-03-2019
عبداللطيف الزبيدي

هل تأثرت السياسات العربية، منذ مطالع العصر الحديث، بالأغاني أم العكس؟ لكن القضية فيها نظر، نظريات بلا حدود، فأمزجة كلمات الأغاني، مثل السياسات العربية وعجائب مواقفها، مزاجية. هذا لا يعني أن الأشعار التراثية كانت مختلفة.
تأمل ماذا يقول الشاعر: «نحن قوم تذيبنا الأعين النجل على أننا نذيب الحديدا..وترانا لدى الكريهة أحرارا وفي السلم للغواني عبيدا». بينما يُعمل آخر عقله مستعيناً بحاسوب: «تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد..لنفسي حياة غير أن أتقدّما». الآخر كأنما فوجئ بصفقة قرن تهدّ عموده الفقري، فناح: «خلق الله للحروب رجالاً..وخلقنا لقصعة من ثريدِ». لكن، ما سمعنا بأن قدماءنا كانوا يتغنون بمثل هذا البيت الشنيع. البيت رائع إذا حُمل على السخرية الحاثّة على الشهامة والكرامة. التراجيكوميديا أن ذلك المشهد المشين يجد في الزمن الرديء من يراه قدوة فيقتدي.
قد تبدو لك كلمات هذه العجائب من الأغاني، مسلّية أحياناً، فوق الفكاهة والكاريكاتور، تسرّي وتُذهب عنك هموم السياسات، غير أنك بالعين الساخرة ترى الهبوط السطحيّ، قمّة في التعبير الناقد اللاذع. لو انصرف ذهنك إلى الغزل وأنت تسمع البيت التالي، فماذا تقول لذوق جنابك؟ لا شك في أن خيالك سيكون قد تمثّل سلوك الجامعة العربية. يقول صاحبها: «ولأقعدنّ على الطريق وأشتكي..وأقول مظلوم وأنت ظلمتني». لا،والله، سياسة العندليب الأسمر أفضل للأوضاع العربية، فهي التي تعبّر عمّا يجيش في صدور الشعوب، التي تكالبت عليها الأمم العاتية، تدكّها بأشكال الاستعمار والحروب. عبد الحليم، حافظ ويحافظ على رمزية البطل المنشود: «لا ح سلّم في المحبوب..ولا ح ارضى أبات مغلوب». ترى من غير الوطن والأمّة محبوبا؟ والأبيّ يأبى أن يبيت على ذلّ الهزيمة. قلوب الكلمات سواقٍ، فهذا يرمي بك إلى خارج السياسات التي فرضها النظام العربي على «الغلابى»، هناك تجد هارون هاشم رشيد يؤذن في مالطا: «لن ينام الثأر في صدري وإن طال مداه إلخ».
لزوم ما يلزم: النتيجة الغرائبية: تكملة المشوار هي أن تدرّس كلمات الأغاني كنظريات في كليات العلوم السياسية.

abuzzabaed@gmail.com