أزمة الأحزاب العربية

13-03-2019
عبد العليم الفكي

يبدو القرار الذي اتخذته السلطات الموريتانية لتطهير الساحة السياسية من الأحزاب التي فشلت في إحداث حراك سياسي ولعب دور فاعل في الحياة السياسية، بحل ثلاثة أرباع الأحزاب في البلاد قبيل الانتخابات الرئاسية بأقل من أربعة أشهر، قراراً صائباً ويتوافق مع عملية الإصلاح الديمقراطي في موريتانيا.
وقالت وزارة الداخلية الموريتانية في تبريرها للقرار:«إنه تم بموجب القانون حل الأحزاب السياسية التي قدمت مرشحين للانتخابات البلدية في 2013 و2018 وحصلت على أقل من واحد في المئة من الأصوات المصرح بها في الجولة الأولى من تلك الانتخابات أو التي امتنعت عن المشاركة في الاقتراعين».
وشمل القرار الذي استند إلى قانون صادر في عام 2012 وعدل في 2018 بهدف الحد من عدد الأحزاب السياسية وإتاحة تمويل أنشطتها الانتخابية بالشكل الملائم وفق وزنها السياسي 76 حزباً وتم الاكتفاء ب 28 حزباً ناشطاً.
لا جدال في أن الأحزاب السياسية في أي مجتمع تعتبر هي المرآة والمعبر الحقيقي عن طموحات وآمال هذا المجتمع، خاصة أن الحزب السياسي وفقاً لتعريفه من علماء السياسة هو عبارة عن مجموعة من الأشخاص لها تصور فكري مشترك وتعمل على تعبئة الجماهير لصالحها من أجل الوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها لخدمة الشعب عبر تنزيل برامجها السياسية والاقتصادية والاجتماعية على أرض الواقع.
ولا تبدو ظاهرة التخمة في عدد الأحزاب مشكلة تعانيها موريتانيا وحدها بل هي مشكلة معظم الديمقراطيات العربية الناشئة، ففي مصر دعا الرئيس عبدالفتاح السيسي في مايو /أيار الماضي لاندماج الأحزاب التي يفوق عددها المئة حزب والوصول إلى حزبين أو ثلاثة أقوياء، وفي السودان يوجد أكثر من مئة حزب مسجل معظمها بلا جماهير، أما تونس فقد ضربت رقماً قياسياً في عدد الأحزاب حيث يبلغ عددها 214 حزباً.
ولا يجد المراقب أية خلافات جوهرية في برامج هذه الأحزاب الأمر الذي يضعف التجربة الديمقراطية ويعزز المخاوف من احتمال اختراق هذه الأحزاب من قبل جهات أجنبية.
وإذا ما ألقينا نظرة بعجالة على أعرق الديمقراطيات في أوروبا وأمريكا نجد أن عدد الأحزاب فيها لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، ومنذ مئات السنين يتبادل الحزبان الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة الحكم، وإن كان هناك أحزاب أخرى إلا أنها محدودة التأثير ولا تحظى بأي وجود فعلي في الشارع الأمريكي. وفي بريطانيا مهد ديمقراطية ويستمنستر يتبادل المحافظون والعمال الحكم وإن كان هناك خمسة أحزاب أخرى أهمها: الليبراليون الديمقراطيون وحزب استقلال المملكة المتحدة الذي يعتبره الكثيرون أنجح حركة سياسية شهدتها بريطانيا خلال العقدين الأخيرين.
سينبري الكثيرون في موريتانيا وفي غيرها للدفاع عن هذه الأحزاب التي فشلت في نيل ثقة الجماهير لتمثيلها في البرلمان أو في المجالس البلدية ولم يبرز من بين صفوفها قادة ملهمون لشعوبهم، ولعل السؤال هو لماذا تبقى مثل هذه الأحزاب العاجزة في الساحة؟ وماذا يفيد وجودها ديمقراطية وليدة تتلمس طريقها؟

alzahraapress@yahoo.com