الجزائر تضرب نموذجها

13-03-2019
مفتاح شعيب

يستحق الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة التحية على قراراته الجريئة، ومنها عدوله عن الترشح لعهدة رئاسية خامسة، وتأجيل الانتخابات، كما يستحق آلاف الجزائريين الذين خرجوا إلى الشوارع على مدى أسابيع للمطالبة بالتغيير، وقفة إكبار على تظاهرهم السلمي، وتجمعاتهم المتحضرة، ضمن حركة شعبية مشروعة تريد أن تفتح صفحة جديدة في البلاد، والتخلص من كل أدران الماضي، بما فيه من سلبيات، من دون تفريط في المكتسبات التاريخية للجزائر في شتى المجالات.
في لحظة حاسمة، تدخل بوتفليقة، وأعلن أنه يتفهم مطالب الشارع، وأنه مصمم على تسليم الأمانة الرئاسية لمن ينتخبه الشعب في اقتراع تحدد موعده وضوابطه «الندوة الوطنية الشاملة». ومن الطبيعي أن تثير هذه المواقف بعض الجدل بين الجزائريين أنفسهم، بينما يميل البعض منهم إلى التشكيك في مصداقيتها، وهو أمر طبيعي في مثل هذه المرحلة، في ضوء التحديات الجسام. وعند جرد الحساب، لا يمكن أن يخلو عهد بوتفليقة، الذي امتد عشرين عاماً، من الأخطاء، ولكن لا يمكن، تحت أي صيغة، التشكيك في وطنية الرجل، أو نزاهته، إذ يحسب له أنه تسلم البلاد في ظرف صعب بعد «العشرية السوداء» التي واجهت فيها الدولة الجزائرية صنوفاً من الإرهاب، وأحبطت مخططات داخلية وخارجية لضرب وحدة البلاد، وتفكيك مقوماتها، وها هي اليوم في وضع أفضل مقارنة بالماضي القريب، ولكن هذا «الوضع الأفضل» ليس هو ما كان يطمح إليه الجزائريون والقادة المؤسسون للدولة بعد التحرر من الاستعمار الفرنسي.
مئات الآلاف الذين خرجوا مطالبين بالتغيير، يعبرون عن جيل جديد لم يعرف سنوات الاستقلال الأولى، ولكن طفولة أغلبيتهم الساحقة شهدت العشرية الدامية في تسعينات القرن الماضي، ومثلما يفكرون في مستقبل أكثر أمناً وازدهاراً، لم تغب عن أذهانهم تلك الأحداث الأليمة، ولذلك كانت تظاهراتهم مضرباً للمثل في السلمية والحرص على الأملاك العامة، والخاصة، ونسج علاقة مختلفة مع أجهزة الأمن. ولا يستطيع أحد، سواء كان من الموالاة أو المعارضة، ألا يحيي التظاهرات الرائعة، من دون الإغراق في وصفها «ثورة»، فالجزائر دائماً تضرب مثلها ولا تتبع النماذج المستوردة، أو تحاكي تجارب لم تجلب على أهلها غير الخراب والدمار.
عندما بدأت أحداث ما يسمى «الربيع العربي» اتضحت منذ البداية أن هناك خطة لتدمير دول المنطقة، وبعد أن انفجرت أحداث تونس يوم 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010، ثم ليبيا يوم 17 فبراير/ شباط2011، روج مدبرو الخطة الشيطانية أن «الثورة» في الجزائر ستكون يوم 17 سبتمبر في ذلك العام، ولكن الجزائر، شعباً وحكومة ومؤسسات، أثبتت أنها لا ترهن استحقاقاتها لأطراف خارجية. وهذه الجزائر التي يحلم بها الجميع، ربما وجدت في هذه المرحلة طريقها للولادة بسلام من دون فوضى وإرهاب، وهو درس جزائري صرف وطموح يصل حاضره بماضيه ليأمن على مستقبله.

chouaibmeftah@gmail.com