انتقاد «إسرائيل» ليس عداء للسامية

13-03-2019
سارة جيرتلر *

في الآونة الأخيرة، عندما بدأ توجيه اتهامات بمعاداة السامية، إلى النائبة المسلمة في مجلس النواب الأمريكي إلهان عمر، شعرت بغضب شديد.
شاهدت إلهان عمر وهي ترد على هذه الاتهامات في كلمة ألقتها في دار بلدية محلي، ونبهت فيها العالم إلى أنها، بحكم كونها امرأة مسلمة سوداء البشرة في أمريكا، تعرف تماماً ما هو الكُره. فقد أمضت حياتها وهي تناضل ضده. وكلماتها كانت واضحة، وجريئة وحازمة.
وعندما استمر أعضاء الكونجرس في التهجّم عليها، واتهامها زوراً بمعاداة السامية، وذهبوا حتى إلى حدّ تبنّي قرار في مجلس النواب يصور كلماتها على أنها حاقدة، لم أشعر فقط بغضب شديد، بل أيضاً بالاشمئزاز.
وماذا قالت عمر؟. لقد انتقدت الحكومة الأمريكية على دعمها لأعمال «إسرائيلية» تنتهك القانون الدولي، قائلة إن بعض مجموعات الضغط والبرلمانيين يشجعون «الولاء لدولة أجنبية»، مشيرة بذلك إلى اللوبي «الإسرائيلي» الرئيسي في أمريكا، وهو لجنة الشؤون العامة الأمريكية - «الإسرائيلية» ( آيباك ). وعلى الفور، ارتفعت أصوات تندد بهذه التصريحات باعتبارها ترديداً للاتهامات ب «الولاء المزدوج» التي كانت توجّه تاريخياً إلى اليهود باعتبارهم «غير موالين» للبلد الذي يعيشون فيه.
وما زاد من حدة النقاش الغاضب، هو أن إلهان عمر سبق أن أثارت جدلاً، بتأكيدها أن «آيباك تمول مسؤولين سياسيين أمريكيين لكي يكونوا مؤيدين لإسرائيل» - وهو ما اعتبره منتقدوها استعادة للخطاب القديم المعادي للسامية عن «المال اليهودي».
وقد اعتذرت النائبة عمر عن ذلك «من دون أي التباس»، إلا أنها لم تعتذر عن اتهامها للبعض ب «تشجيع الولاء لدولة أجنبية تنتهك القانون الدولي» - في إشارة إلى «إسرائيل».
وفي جميع الأحوال، لا يمكن اعتبار أي من هذين الاتهامين اللذين عبرت عنهما النائبة عمر بأنه معاداة للسامية.
إن ما هو مُعادٍ حقاً للسامية، هو الاتهامات الخاطئة التي وجهها سياسيون ووسائل إعلام إلى إلهان عمر بقولهم إن انتقاد السياسة الأمريكية تجاه «إسرائيل»، إنما يشكل تهجّماً على الشعب اليهودي، وبالتالي عداء للسامية.
ومثل معظم الأمريكيين اليهود من الجيل الشاب، أنا تعلمت منذ نعومة أظفاري، أناشيد تمجّد «أرض إسرائيل». وفي مدرستي العبرية في أمريكا، تعلمت ثقافة «إسرائيل»، وقرأت عن مدنها ورؤساء وزرائها. وفي مخيمي اليهودي الصيفي، كنت أردد نشيد «هتكفاه» ( الأمل ) - وهو النشيد الوطني «الإسرائيلي».
وقد كان لديّ تصوّر ورديّ عن «إسرائيل». ولكن عندما زرت «إسرائيل» أثناء دراستي الجامعية في أمريكا، روّعني ما شاهدته من وقائع الاحتلال «الإسرائيلي».
صحيح أن اليهود واجهوا على مدى قرون اضطهاداً وحشياً في أوروبا. ولكن المشروع الصهيوني هو، بصورة واضحة تماماً، مشروع ذو جذور استعمارية أوروبية. ففي عام 1948، أدى ما تسميه «إسرائيل»
ب «حرب الاستقلال» إلى النكبة الفلسطينية - التي تمثلت بطرد 700 ألف فلسطيني من ديارهم. وهؤلاء الفلسطينيين لم يسمح لهم أبداً بالعودة إلى ديارهم، ما أدى إلى وجود أكثر من 7 ملايين لاجئ فلسطيني في عالمنا اليوم.
وفي حين كان بإمكاني السفر إلى «إسرائيل» وقتما أشاء، إلاّ أنه يحظر على الفلسطينيين الذين عاشوا هناك في الماضي أن يعودوا إلى ديارهم.
والصهيونية أوجدت أيضاً على أرض الواقع، لاجئين يهوداً في «إسرائيل» ذاتها. إذ إن اليهود المزراحيين - أي اليهود الشرقيين المتحدرين أو القادمين من الشرق الأوسط وبعض البلدان الإسلامية - يعيشون في الواقع على هامش المجتمع «الإسرائيلي»، في حين أن اليهود الأشكيناز - أو الأوروبيين - يشكلون طبقة النخبة.
وما أنشأته الصهيونية، هو في حقيقة الأمر، معقل إمبريالي يواصل انتهاك القانون الدولي من خلال بناء مستوطنات في عمق الأراضي الفلسطينية، ومن خلال منح «الإسرائيليين» اليهود، وضعاً قانونياً أرفع من وضع «العرب الإسرائيليين» والفلسطينيين.
ومنذ إنشاء «إسرائيل»، والولايات المتحدة تمدها بمليارات الدولارات على شكل مساعدات عسكرية ودعم سياسي حماسي.
وأنا، مثلي مثل أعداد متزايدة من جيل اليهود الأمريكيين الشبان، نرفض اعتبارنا، على غرار إلهان عمر، معادين للسامية لمجرد أننا ننتقد «إسرائيل».

* كاتبة وباحثة في معهد الدراسات السياسية في واشنطن - موقع «كاونتر بانش»