من وسط القاهرة

12-03-2019
يوسف أبو لوز

تستطيع أن تعرف مقاهي ومطاعم وحانات وميادين وشوارع وأسواق وسط البلد في القاهرة من دون أن تراها، إذا قرأت، بشغف، مكّاوي سعيد في كتابه «مقتنيات وسط البلد - وجوه وحكايات من وسط القاهرة». والكتاب يتألف من «كتابين»: كتاب البشر، وكتاب المكان، وسأترك كتاب البشر لقراءة مقبلة إن أمكن ذلك، وأذهب بك صديقي القارئ إلى «كتاب المكان»، فهو روح القاهرة أو سرّتها، وكل كاتب مصري أو عربي زار مصر أو أقام فيها، تجربته الكتابية ناقصة إذا لم يذهب ويعشْ في وسط القاهرة التي تصحو مبكراً، أو أنها لا تنام.

يضع مكاوي سعيد ما يشبه خريطة طريق أو خريطة أمكنة لوسط القاهرة في هذا الكتاب الذي يصلح بسهولة لتحويله إلى مجموعة من السيناريوهات السينمائية؛ حيث يتماهى البشر مع أمكنتهم اليومية، ويمكن لشخصية هامشية تماماً، منكسرة أو مضطربة تماماً أن تأخذ دور البطولة في الحكاية، وفي المكان.

زرت القاهرة مرّتين: أول مرة أزور فيها هذه المدينة المذهلة في العام 2017، والمرة الثانية في العام 2018

، وكتبت في الزيارتين انطباعات ومشاهدات يومية بعين من يرى المكان للمرة الأولى، فينفعل به ويُدهش بكينونته أكثر ممن يعيش فيه، ومن يعيش طويلاً في مكان ما لا يعود يراه وذلك لتكرار الرؤية، «سكّان الشواطئ لا يَرَوْنَ البحر».

«الزيارة الثالثة» للقاهرة لم تتطلب تذكرة سفر إلى «أم الدنيا»، بل هي سفر في أمكنة مكّاوي سعيد، الحكّاء القاهري بامتياز، الساخر، أحياناً بلطف وذكاء، ثم المتأمّل في الشخصيات وفي الأمكنة، والبارع الكبير في تصويرها كأنه يصنعها من طين ومن فخّار، وليس من الحبر.

نعرف من أمكنة مكاوي سعيد (1956-2017) أن الترام عرفته مصر في العام 1896، و«أرض اللوق» هي الأرض التي كانت مياه الفيضان تغمرها ثم تنحسر عنها فتتركها ليّنة لا تحتاج إلى حرث، وجرى إنشاء شارع قصر النيل في العام 1882

بتكليف من الخديو إسماعيل.

يستخدم المصريون الشيشة والنرجيلة كثيراً، ويخبرنا مكاوي سعيد أن النرجيلة مشتقة من لفظ «نار جيل» وهو الاسم الذي يُطلق على ثمر جوز الهند، ومن أغرب المقاهي في القاهرة مقهى يلتقي فيه الخرس أو الخرسان، واسمه «قهوة الخُرس»، وأُنشئ في العام 1935

كيف يشير الأخرس إلى طلبيته من النادل؟ إذا أراد شاياً (سادة) يضع إصبعه على جلد وجهه، وإذا طلب شاياً بالحليب يضيف إشارة ناحية الثدي، وإذا أراد شاياً بالينسون يضع يده على حلقه، وإذا أراد فنجان قهوة فالسبابة والإبهام في مسافة متوسطة، وإذا أراد كأس عنّاب (الكركديه) يضع إصبعه على شفتيه.

ولله في خلقه شؤون.

yabolouz@gmail.com