مُلوَّنون في السينما البيضاء

12-03-2019
د. حسن مدن

كان على الأمريكان من أصول إفريقية الانتظار طويلاً حتى يجدوا لأنفسهم موطئ قدم في السينما الأمريكية. كانت هذه السينما، مثل أي ظاهرة أخرى في الولايات المتحدة، تنضح بالعنصرية. وحتى إذا نشأت الحاجة لأن يكون أحد الأدوار في فيلم من الأفلام عائداً لأمريكي إفريقي أو مُلّون، فإن الدور يعهد به إلى ممثل أبيض بعد إجراء ما يلزم من المكياج ليظهر ببشرة سوداء داكنة أو سمراء.

الرسالة في هذا واضحة: لا يجدر بذوي الأصول الإفريقية ولون البشرة غير البيضاء أن يظهروا بأنفسهم على الشاشة، وإنما يقوم الرجل الأبيض بتقمّص أدوارهم. عليهم أن يبقوا دائماً في الظل، فلا مكان لهم في الواجهة المحتكرة للبيض وحدهم. يصحّ القول إن القائمين على صناعة وتجارة السينما الأمريكية حرصوا على أن تظل بيضاء، أطول ما استطاعوا.

فقط بعد الحرب العالمية الأولى، وقد تكرّست السينما كتجارة تدر الأرباح، أخذ في التشكّل داخل المجتمع الأمريكي مزاج يقبل بأدوار محدودة لذوي البشرة السوداء في الأفلام، خاصة أن هذا الجزء من السكان يمثل قاعدة واسعة من جمهور السينما.

ظلّ الأمر محدوداً حتى اندلعت الحرب العالمية الثانية في أربعينات القرن الماضي، التي سمح خلالها للأمريكان الأفارقة بالتطوع في القتال، وهذا ما فعلوه بكثافة، ليجد المجتمع الأمريكي نفسه في حالٍ يمكن وصفها ب «تأنيب الضمير» إزاء ما لحق بهؤلاء من تمييز وعزل وتهميش، ومن مظاهر ذلك أنه أصبح بوسع الممثلين من ذوي البشرة السوداء أن يؤدوا أدواراً بارزة في السينما.

ربما يقودنا ذلك إلى جانب آخر من الموضوع ذي صلة بما قلناه، وهو صورة الأمريكان من أصول إفريقية في السينما الأمريكية.

الصحفي السينمائي توم بروك كتب، قبل سنوات، عرضاً وافياً للفيلم الشهير في تاريخ السينما الأمريكية «ميلاد أمة»، الذي قيل الكثير حول ما أحدثه من نقلة في تقنيات السينما، أشار فيه إلى قول ايلين سكوت، مؤلفة كتاب «الحقوق المدنية في السينما»، من أن »الفيلم هو أحد أكثر الأفلام التي أُنتجت عنصرية، بل أكثرها عنصرية على الإطلاق«.

وعن أكاديمي بارز نقل بروك قوله:«يُصوّر الفيلم الإعدام خارج القانون كأمر إيجابي. كما يشير المضمون السياسي للفيلم إلى أن بعض السود يستحقون الإعدام. ما يجعله فيلماً مغرقاً في العنصرية«. أكثر من ذلك؛ أحيا الفيلم الحركة العنصرية الشهيرة »كو كلوكس كلان« (وتعرف اختصاراً باسم كيه كيه كيه) التي تبنت الفيلم كأداة لتجنيد الأعضاء.

madanbahrain@gmail.com