الحاي بن مبارك

11-03-2019
إبراهيم الهاشمي

كان شخصاً استثنائياً، كأن الله قد خلقه من جود وكرم، طلق الوجه، عفيف اللسان، سخي اليد، لا تجده إلاّ ساعياً إلى خير أو في خير، جبل من عطاء، يستقبلك بابتسامة ويودعك بابتسامة وحنوّ.
حضرت جنازته، كان المكان يغص بالناس، أتوا من كل حدب وصوب، كان الجميع يترحم عليه. سمعت أحدهم يقول: رحل أبو الخير، وآخر يقول: «الحاي إن نصيته كان عند ويهك»، سمعت الكثير والكثير عن رجل لم نسمع ومنذ كنا أطفالاً صغاراً، إلاّ كل الخير عنه وعن سيرته، ليس فقط في محيطه الأسري أو على مستوى الحي الذي يعيش فيه، بل على مستوى مجتمعه ووطنه. كان يطبق حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم «أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس»، فحبب الله فيه خلقه، سيرته كسريرته خير في خير، لم يتقاعس يوماً عن وصل الناس في السراء والضراء، يحضر أفراحهم مباركاً، وأتراحهم مواسياً. ماله ليس له، فمن ينصاه «يطلب المساعدة»، لا يجد إلاّ كل العون والمدد، منظم شديد التنظيم، له أسلوبه الخاص الذي ميزه فصار علماً من أعلام الخير والعطاء والسخاء.
زرع حب الخير في أفراد أسرته الكريمة، التي صارت عوناً له في الخير ومشاريعه. له في كل ميدانٍ، غرسٌ مبارك يشهد له أمام ربه، يفعله دون منّة أو أذى، فهو مجبول على ذلك بفضل الله ومنّته. سكن القلوب بطلاقة وجهه ومروءته، وودّه الذي يجري كسيل مبارك، سعى بكل ما يملك طوال سنين عمره في قضاء حوائج الناس، فإن أردنا أن نشهد مصداقاً لحديث نبي الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم: «إن لله خلقاً، خلقهم لحوائج الناس يفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله»، وجدنا الوالد الحاي بن مبارك رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، مثالاً ناصع المصداقية أمامنا، فهو لا ينتظر من يطرق بابه؛ بل يسعى طارقاً أبواب الخير، مادّاً يد العون والمواساة، وبصمت وإيمان عميق، وكأن ربنا الكريم خلقه من سخاء.
رحل الوالد «الحاي بن مبارك»، بعد أن أعطى نموذجاً حياً وصادقاً لقيم السماحة والخير والبذل والعطاء والتكاتف الاجتماعي، زارعاً في كل مكان صدقة جارية، وعلماً ينتفع به، وخلقاً يعلم الله عددهم يدعون له، وذكراً طيباً لا ينتهي حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
رحل تاركاً في العين دمع وفي القلب غصّة، فعلى مثله يكون الحزن، مع يقيننا الكامل، أن لكلّ عمرٍ أجلاً ونهاية، ولا نقول إلاّ: يرحمك الله يا سيد الجود والعطاء والخير، يرحمك الله؛ فقد رحلت طيباً زكياً تاركاً إرثاً ثريّاً من المكارم.
يرحم الله الوالد الحاي بن مبارك، ويسكنه فسيح جناته ويثيبه عنّا خير الثواب والجزاء ويلهمنا وأهله وأحبابه الصبر والسلوان.