«السترات» تخبو في فرنسا

11-03-2019
مفتاح شعيب

سجل السبت السابع عشر لاحتجاجات «السترات الصفراء» في فرنسا أدنى مشاركة، إذ تظاهر أقل من 30 ألف شخص في عموم البلاد، على الرغم من مساعي قيادات الحركة الاحتجاجية إلى منح زخم جديد لتحركهم المناهض للسياسة المالية والاجتماعية للرئيس إيمانويل ماكرون، قبل أقل من أسبوع من انتهاء «النقاش الوطني الكبير» الذي دعا إليه الإليزيه للاستماع إلى المطالب ومحاولة تقديم حلول سياسية.
وقياسا بما كانت عليه التظاهرات في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، فإن «السترات الصفراء» فقدت بعد أربعة أشهر 90 % من زخم اندفاعتها الأولى، ففي السابع عشر من نوفمبر كان عدد المحتجين نحو 300 ألف شخص. وبسبب نسبة المشاركة الضعيفة في التظاهرات، تمكنت الأجهزة الأمنية من التعامل بيسر مع بعض مثيري الشغب، وأحبطت محاولة عشرات المحتجين نصب خيام اعتصام أمام برج إيفل، في مؤشر أولي على أن هذه الحركة الاحتجاجية بدأت تخبو فعلياً، ولم تعد تشكل خطراً كبيراً على سياسة ماكرون الذي يفترض ألا يعتبر تراجع الاحتجاجات انتصاراً له، فالأسباب ما زالت كامنة في المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي ترزح تحتها فرنسا، وأوروبا عموماً. وربما تكون انتخابات البرلمان الأوروبي بعد شهرين من الآن مناسبة مثالية لتبين أي السياسات أقدر على استقطاب الشارع والناخبين.
الحقيقة المؤكدة أن دوي «السترات الصفراء» سيظل يدوي، ولن ينتهي بهذه السرعة، وإذا كان هناك من فشل فلا يعود إلى قادة هذا الحراك، بل إلى الأطراف السياسية التي سعت إلى امتطائه، وتعني الإشارة في هذا المقام اليمين المتطرف، واليسار الشعبوي، ففي بلد كفرنسا لا يمكن النيل من سياسة الرئيس لمجرد خروج بضعة آلاف إلى الشوارع والساحات العامة. فبعد اندلاع الاحتجاجات بأربعة أسابيع فتح ماكرون «النقاش الوطني الكبير»، وهو أشبه بالاستفتاء غير الرسمي. وبتلك الخطوة أثبت الإليزيه أنه غير منقطع عن مواطنيه ومطالبهم. كما استطاع أن يمتص شيئاً من الغضب باتخاذ إجراءات بكلفة عشرة مليارات يورو لتحسين القدرة الشرائية، وهي جزء من حزمة قرارات ساهمت إلى حد ما في التخفيف من التوتر الاجتماعي، فضلاً عن نزع فتيل أزمة سياسية يمكن أن تسقط مشروع ماكرون وتقضي على مستقبله السياسي.
في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ذهب بعض المحللين إلى الاعتقاد بأن «السترات الصفراء» ستصبح ظاهرة أوروبية، وربما عالمية، وقد أثبتت الأيام أن ذلك حكم مسبق، وليس فرضية مبنية على وقائع موضوعية، لأن المشاكل الأوروبية تختلف من بلد إلى آخر. وفي فرنسا، لعب المعادون للاتحاد الأوروبي من الشعبويين دوراً في تأجيج الاحتجاجات، على أمل أن يتراجع ماكرون عن رؤيته في «أوروبا الواحدة القوية»، ولكن ما يحصل أن هذا الطرح يمضي في طريقه، أما أعداؤه سواء في فرنسا، أو بريطانيا، أو الولايات المتحدة، فيعانون أزمة وجودية حقيقية، في وقت وجد فيه الرئيس الفرنسي دعماً جديداً من زعيمة «الاتحاد المسيحي الديمقراطي» الألماني أنجريت كرامب كارينباور، حين أكدت أن النهوض بأوروبا ضرورة للقارة في وجه التحديات الناشئة في عالم اليوم.

chouaibmeftah@gmail.com