المراوحة الدولية في حرب اليمن

11-03-2019
هاشم عبدالعزيز

هل بدأ العد التنازلي للمراوحة والتململ والضبابية التي ذهبت بالدور الدولي في شأن الحرب في اليمن لسنوات إلى الحالة الرمادية؟ هذا ما أثارته زيارة وزير الخارجية البريطاني جريمي هنت إلى عدن، العاصمة المؤقتة لليمن، في ختام جولة بهذا الشأن في المنطقة، فهي لم تكن مفاجأة وحسب، بل حدثٌ دبلوماسي ذو أهمية كبيرة أيضاً.
وبحسب وزارة الخارجية البريطانية، فقد «ذهب وزير الخارجية جريمي هنت في زيارة إلى مدينة عدن، وهي أول زيارة إلى اليمن يقوم بها وزير غربي منذ اندلاع الصراع في 2015، وأول زيارة يقوم بها وزير خارجية بريطاني إلى اليمن منذ عام 1996»، والهدف حسب الخارجية البريطانية من الزيارة «إبراز دعم المملكة المتحدة للحكومة اليمنية ولجهود الأمم المتحدة سعياً للسلام».
الخروج البريطاني من التململ إلى التحرك الدبلوماسي يمثل بداية إيجابية في اتجاهين:
*الأول: إمكانية تحول الدور الأممي من مجرد إطلاق البيانات والقرارات إلى أفعال لوضع نهاية للحرب في اليمن التي تتداعى كارثياً على حياة العباد وأوضاع البلاد.
*الثاني: إن الزيارة مؤشر على أن «المراوغات الحوثية بالحديث عن السلام لإطالة أمد الحرب لم تعد مقبولة لدى الجهد الدولي لإنهاء الحرب بإنهاء أسبابها»، كما عبر سفير اليمن لدى المملكة المتحدة الدكتور ياسين سعيد نعمان.
في الأساس لم يأتِ التحرك البريطاني الدبلوماسي من فراغ، لكنه يمثل إشارة لتعديل مسار التسوية التي ترعاها الأمم المتحدة، والذي جرى خلال السنوات المنصرمة على أساس جذب الانقلابيين للانخراط في العملية السياسية للحل، ومؤشر التعديل في هذه العملية قد يعيد الاعتبار لعملية التسوية بإنهاء الحرب من بوابة إنهاء الانقلاب.
والأمر هنا ليس من الأماني بل الحقائق؛ إذ إن الانقلابيين خلال السنوات المنصرمة للحرب تعاطوا مع الجهود الأممية، كما لو أنها استرضاء واستعطاف، وتحولوا مع تزايد الجولات المكوكية للمبعوثين الدوليين من طالبي ضمانات بعدم الانتقام، إلى إملاء الشروط والمطالب، وإبقاء الوضع دائراً في دوامة الحرب الكارثية في البلاد.
بالطبع هناك قراءات ليست عديدة فقط، بل ومتناقضة أيضاً للدور البريطاني، لكن ما هو جدير بالإشارة هو، أن التحرك الدبلوماسي البريطاني يمثل خطوة إيجابية في اتجاه الخروج من جمود الحل السياسي وتداعيات الحرب التي أوصلت أغلبية السكان إلى حالة إنسانية مأساوية، كما أن هذا التحرك، بقدر ما يعطي اهتماماً ملحوظاً باتفاقات السويد باعتبارها إنجازاً في مسار التسوية، يأتي أيضاً من زاوية أن البديل لخطوة الاتفاق في شأن الحديدة وموانئها مفتوح، ليس على انهيار الاتفاق فقط، بل وعلى المخاوف التي أبداها وزير الخارجية البريطاني «من عودة الأوضاع إلى حرب شاملة».
لم يجد البريطانيون في الحرب وتداعياتها فرصة للحضور إلى واجهة الوضع في اليمن، بل إنهم في اهتمام جدّي بمصالحهم غير العادية في هذه المنطقة، وهم يدركون أن استمرار تداعي الحرب من شأنه مفاقمة المخاطر على أمن واستقرار هذه المنطقة، بما يعني ذلك خطورة على مصالح وسلام عالمنا الدولي والإنساني بأسره.
بالطبع قد يكون من المبالغة القول بأن البريطانيين يدشنون بداية النهاية للحرب في اليمن، لكن التحرك الدبلوماسي البريطاني يفتح نافذة في هذا الاتجاه، لأن ما يجري في اليمن صار أقرب إلى الانفلات لتعدد الأوساط في الداخل، ومنها تجار الحرب وتعدد الأطراف في الخارج، والأبرز من حيث الأسباب التي قادت إلى ما آلت إليه اليمن منذ الانقلاب، الدور الإيراني الذي يترجم طموحات الهيمنة بلعبة الشيطان الطائفية التي تستزرع وتذكي الضغائن والأحقاد عوضاً عن التصالح والتسامح وصون كرامة وحقوق الإنسان.
السؤال الآن: وماذا بعد؟
بالقطع لا يحتمل الوضع المأساوي والكارثي في اليمن الترقب الذي تبديه عدة أطراف دولية، بل إن مصالح هذه الأطراف وعالمنا بأسره مرهون بوضع نهاية موفقة وحاسمة لا للحرب في جبهاتها فحسب، بل والانقلاب الذي أدخل اليمن هذه الدوامة الجهنمية من الدمار.
والطريق في هذا الاتجاه واضحة، وستكون سالكة إذا ما أخذت الأطراف الدولية، كما بادرت بريطانيا، إلى تحويل الأقوال إلى أفعال، لا في شأن اتفاق السويد وحده، بل وفي مرجعيات الحل وإحلال السلام.