الثمن الفلسطيني لحسابات ترامب الخاطئة

11-03-2019
عاصم عبد الخالق

الفلسطينيون ليسوا وحدهم المحبطين من مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. هناك طائفة واسعة من الباحثين السياسيين الأمريكيين يشاركون العرب رؤيتهم المتشائمة إزاء سياسات الإدارة الحالية في الشرق الأوسط. وفي أحيان كثيرة لا تنطلق معارضة هؤلاء من مواقف أخلاقية أو مشاعر نبيلة تملي عليهم التعاطف مع الحقوق العربية المهدرة. دوافعهم في الأساس براجماتية. البوصلة التي توجههم هي المصالح الأمريكية أولاً ثم مصلحة «إسرائيل». وهم يرون أن توجهات ترامب لا تحقق المصلحتين، ولا تفيد المنطقة بل تضرها.
حزمة من النتائج تصب في هذا الاتجاه حملتها سطور تقرير مهم أصدره في الأسبوع الماضي مجلس العلاقات الخارجية، وهو مركز أبحاث سياسية مرموق في واشنطن. خلاصة ما أكده التقرير أن ترامب لن يحقق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، ولن تشهد المنطقة الخير على يديه، وأن فرص نجاح مبادرته الغامضة المعروفة باسم صفقة القرن تكاد تكون معدومة.
التقرير الذي يحمل عنوان «إعادة التفكير في السياسة الأمريكية تجاه الفلسطينيين» أعده الباحث فيليب جوردون، وهو خبير في قضايا المنطقة، وعمل مساعداً خاصاً للرئيس السابق باراك أوباما، ومنسقاً لشؤون الشرق الأوسط بالبيت الأبيض من 2013 إلى 2015.
يستهل الباحث تقريره بعرض مفصل للإجراءات العقابية التي اتخذتها إدارة ترامب ضد الفلسطينيين، منذ أن دشنت توجهها الجديد نحوهم أواخر 2017، وهو التوجه الذي قلب رأساً على عقب ثوابت السياسة الأمريكية في المنطقة.
لم تفرق العقوبات الأمريكية بين الشعب وقياداته، فشملت قطع كل أشكال المعونة المالية بما فيها تمويل وكالة الأونروا لغوث وتشغيل اللاجئين. ولم تسلم المستشفيات من العقوبات، فتم تجفيف منابع تمويلها. وتبنت الإدارة كل المواقف «الإسرائيلية» إزاء قضايا الوضع النهائي، وامتنعت عن إدانة الاستيطان. وتماهت مع سياسات الليكود المتطرفة، بل زايدت عليها بحرمان الشرطة الفلسطينية من المساعدات خلافاً لنصائح «الإسرائيليين» الذين يخشون أن يؤدي ذلك إلى تسهيل شن هجمات مسلحة عليهم. ثم كان القرار المجحف بالاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل»، ونقل السفارة الأمريكية إليها، وبعدها تم إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن.
ويرفض التقرير المبررات التي ساقتها الإدارة، وهي أن الضغط على الفلسطينيين سيدفعهم إلى مواقف أكثر اعتدالاً، وتقديم تنازلات لتحقيق السلام؛ إذ جاءت النتيجة عكسية فلم يرضخ الفلسطينيون، ولم يتحقق السلام، ولن يتحقق.
يبدي التقرير دهشته أيضاً من حسابات الإدارة الخاطئة، فأي متابع مبتدئ كان سيعرف أن قطع المساعدات بما يترتب عليه من معاناة سيؤجج المشاعر المعادية للولايات المتحدة بين الفلسطينيين، ويدعم العناصر المتشددة، ويشجع اللجوء إلى العنف، لاسيما مع إضعاف الشرطة الفلسطينية. وهذا ليس في صالح «إسرائيل» ولا أمريكا. كما أن تقويض حل الدولتين لا يضمن بقاء «إسرائيل» كدولة ديمقراطية يهودية خالصة.

الأسوأ من وجهة نظر الكاتب أن استمرار معاناة الفلسطينيين قد يؤدي إلى انفجار شامل، وانفلات أمني، وبالتالي تهديد أمن «إسرائيل».
ينتهي التقرير بإصدار أربع توصيات رئيسية، الأولى أن يوقف ترامب مساعيه لتطبيق ما يعرف بصفقة القرن؛ لأن الظروف الحالية لا تضمن لها أي فرصة للنجاح. كما أن الحكومة «الإسرائيلية» لا تؤمن بحل الدولتين.
التوصية الثانية هي استئناف تقديم المساعدات للفلسطينيين بنفس المستويات التي كانت عليها قبل ميزانية 2017، مع الإقرار بأن قطعها لم يجبرهم على الإذعان للمطالب الأمريكية. ولا يوجد ما يشير إلى أن إذعانهم سيحدث مستقبلاً باستخدام سلاح المساعدات.
التوصية الثالثة هي إعلان واشنطن أن قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية هو هدف أمريكي رئيسي لتشجيع الفلسطينيين على التفاوض والتوازن مع قرار الاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل».
التوصية الأخيرة هي التدخل لدى «إسرائيل» لتقييد النشاط الاستيطاني، وتخفيف القيود على حركة الفلسطينيين، وتطوير مؤسساتهم الاقتصادية.
أخيراً، يلخص الكاتب رؤيته في كلمات محددة، وهي أن توجهات ترامب لن تسفر عن تحسين الأوضاع بالمنطقة بل ستزيدها تدهوراً. وأن إدارته لن تستطيع حل الصراع «الإسرائيلي»- الفلسطيني، وبالتالي عليها ألا تزيده اشتعالاً.

assemka15@gmail.com