استمراء الفشل

11-03-2019
عبدالله السويجي

الدولة الفاشلة هي التي لا تستطيع تأمين الخدمات اليومية للمواطن، وتغيب فيها المؤسسات الرسمية عن ممارسة دورها، ويستشري فيها الفساد والمحسوبية والشللية وتغيب سلطة القانون، كما أن هذه الدولة تعجز عن توفير الأمن والأمان والاستقرار لمواطنيها، ولا تستطيع حمايتهم من العصابات المرئية وغير المرئية، ومفاصل الدولة متآكلة ومتهالكة، ولا هيبة لرجالها من شرطة ودرك وقوى أمنية أمام أصحاب النفوذ، ولا سيما المتغلغلين في جسد الدولة، وهناك معايير أخرى كزيادة الفقر وانتشار الأمية نتيجة لفشل البرامج التعليمية أو عدم وجودها، وتدني المعايير الأخلاقية وتراجع منظومة القيم وأهمها الصدق والنزاهة ومخافة الله، وهناك عامل جوهري يتمثل في الإصرار على إبقاء المؤسسات غير فاعلة وغير مفعلة، إمعاناً في نشر الفساد والإبقاء على المصالح الفردية، وأخيرها انتشار السلاح غير النظامي وغير المرخص، بحيث يجعل كل فرد يطبق القانون على هواه، ولا يتوانى عن استخدام السلاح لأقل مشكلة تواجهه، مستنداً إلى (ظهر) في السلطة أو إلى حزب من الأحزاب المتوحشة والمستوحشة.
لقد كتبت عن الدول الفاشلة قبل سنوات أربع أو أكثر، ولا أعتقد أن كتابتي ستنقل هذه الدول من تصنيفها كدول فاشلة إلى دول ناجحة، والسبب أن القائمين على هذه الدول لا يأبهون بالرأي العام ولا صوت الشعب أو معاناته؛ لأنهم بكل بساطة استطاعوا تقسيم الشعب، وحولوه إلى شعوب تتبع الأحزاب، وبالتالي لا تستطيع هذه الشعوب أن تتمرد إلا بأمر الحزب أو التنظيم.
ونتيجة متابعاتي واستفساراتي وقراءاتي اكتشفت أن هذه الدول ماضية في استمرائها للفشل؛ بسبب اتساع رقعة الفساد وتراجع الحس الوطني، وهذا ما جعلني أفتح هذا الموضوع ثانية، محملاً المسؤولية هذه المرة لقطاعات واسعة من الشعوب، إلى جانب السياسيين ورجالات الأحزاب على اختلاف تصنيفاتهم وانتماءاتهم؛ لأن ما يهمهم هو الإبقاء على الوضع كما هو من دون تطوير أو تنظيف أو تعديل، حتى أصبح الحال كالمرض المزمن الذي يصعب شفاؤه إلا باستئصاله، لكن هذا الاستئصال سيطال شريحة كبيرة من أبناء الشعب إلى جانب المعنيين من رجال سياسة واقتصاد واجتماع وتعليم وتربية وقضاء وغير ذلك.
ولدينا في العالم العربي عدة نماذج لهذه الدول، وجميعها تعرضت لحروب أهلية، وبعضها لا يزال يتعرض بقصد أو بخطط خارجية للإبقاء على الفوضى، لكن الحرب ليست هي السبب دائماً؛ إذ يبدو أن هناك قصدية وتعمداً لاستمرار الواقع واستدامته؛ لأن (القطط السمان) لا تعيش إلا على الفساد والحروب، وإبقاء الجهل، وتأخير تطبيق القانون، قدر استطاعتها.
الشعوب لا تتحمل وزر هذا الفشل؛ لأنها شعوب لو أعطيت الفرصة تحت قيادة نزيهة فستحقق المعجزات، لكن شرائح منها مصابة باليأس من الإصلاح، فسارت مع التيار إما لحماية نفسها أو لكسب قوت يومها، وحين نتحدث مع أبناء الشعب نجدهم متذمرين ومستائين من الأوضاع، ويعانون يأساً كبيراً يؤدي إلى اكتئاب مزمن، أليس من الغرابة أن ينتشر استخدام أدوية الأعصاب في بعض الدول؟ أليس من المستغرب زيادة نسبة المنتحرين من الشباب؟ أليس من المدهش أن تكون أحلام الناس هي مغادرة أوطانها والهجرة إلى دول تحترم إنسانية الإنسان؟ أليس معيباً أن يشغل قادة هذه الدول الشعوب بقضايا تافهة كالكهرباء والماء والإنترنت والازدحامات في الشوارع وتخليص المعاملات التي يجب أن تمر عبر سماسرة لها مصالحها الخاصة مع أجهزة السلطة؟
التخلص من الفشل يحتاج إلى خطط واستراتيجيات ضخمة يتم تنفيذها بإخلاص وأمانة وحزم، ولا بأس من إقصاء من يضعون مصالحهم الخاصة فوق مصالح الشعوب والأوطان، ومن بين هذه الخطط التركيز على تطوير المناهج التعليمية، وتعزيز مادة التربية الوطنية، وزيادة حصصها، ونعني بها تهيئة أجيال تدرك أهمية النظام والنزاهة والوطنية وتطبيق القانون وقبح وبشاعة الغش والكذب والنصب، وغيرها من الممارسات الدنيئة، وإذا ما نجحت المناهج التي يجب أن تكون مدعومة بدور فاعل من الأسرة، فسنحصل على أجيال ترفع عن الدول وصمة الفشل.

suwaiji@emirates.net.ae