إشكاليّات تقزيم اللغة

10-03-2019
عبداللطيف الزبيدي

كيف نترجم حبّ اللغة إلى خطة عملية مجدية؟ وراء هذا السؤال أكمة وراءها ما وراءها. حب اللغة رائع، لكنه لا يحرّك ساكناً، وليس خدمة تسدى أو مرقاة للتألّق، تماماً مثل ادّعاء حبّ المرأة في المجتمعات المتخلفة، يقيّدونها ويمنعونها من الابتكار والإبداع والمشاركة في التنمية والقرار، بذريعة الحفاظ عليها. اللغة هكذا يدّعي الناس حبّها في الديار العربية.
المنطلق السليم قاعدة أساسيات إذا أكثرنا الجدال حولها وفيها، فلن يتقدم البحث وتتطور القناعات قيد أنملة: أدنى المستويات، بل الدرك الأسفل من خدمة اللغة هو أن نجعل الأدمغة تتخبط في وحول النحو والصرف. كتب القلم كثيراً في هذا المبحث. البرهان هو أن لبيد وطرفة والنابغة، لم يعرفوا شيئاً بتاتاً من علوم اللغة. افرضوا الفصحى في الحضانة، وسترون أطفالاً أفصح من الأساتذة. ثم احتفلوا باستراحة المحارب اللغوي.
لكي نجسّد حب اللغة ونجعله مشروعاً تنمويّاً، يجب أن تتغير العقلية التربوية أوّلاً. لا تؤاخذونا، فهذه المهمّة أيضاً تضطلع بها وزارات التربية والتعليم. الأمانة التي نقترحها كغاية سامية لمقرر العربية، هي أن يهدف التدريس إلى أمرين: الإحساس بجمال اللغة، ثم تمهيد الدروب إلى الإبداع. في الأثناء سيكون الإلمام بالقدر الضروري من القواعد قد قضي أمره. هذا مثال توضيحي للفارق المخيف، ولو أنه لم يعد شائعاً: قتل روح الإحساس بجمال اللغة والشعر، بإعراب البيت وربما الأبيات، بدلاً من تحسس مواطن الجمال والإبداع.
مقترح آخر يستحق أن يبحثه واضعو مناهج العربية، هو تخصيص حصص تطبيقية عدّة للتدرّب على الأساليب قديمها وحديثها. التقنيات الأسلوبية لدى الجاحظ، أبي حيّان، ابن المقفع، الرافعي، طه حسين، أحمد أمين، الزيّات وغيرهم، يتدرب الطلاب على محاكاتها، نسجاً على منوال المناهج الموسيقية: دارس البيانو لا يمكن أن يصبح عازفاً متألقاً (فيرتيوز) إلاّ إذا عزف شوبان وفرانز ليست، كذلك دارس الكمان مع باجانيني. لمَ لا نطبّق هذا على الأساليب الخالدة؟
لزوم ما يلزم: النتيجة القياسية: إذا صار باخ وهايدن وشوبرت منتهي الصلاحية، فسوف يمسي كل روّاد الأساليب منتهين.

abuzzabaed@gmail.com