«فتاة العرب»

10-03-2019
مريم البلوشي

سحر المشاعر هو حالة وجدانية تتخلل المرء، تبقى تناوشه في صدره، روحه، عقله لا تتحرر حتى يحررها هو في ورقة، تلك المساحة التي تتفرد فيك لا تعرف نوماً أو متكأ، حضنا أو مكاناً إلا بين القلم والورق، سحر الكلمات وصوت الشعر المتنوع في كل حالاته، منذ القدم حين يتغنى الشعراء فتنصت لصوتهم الذي يتغنى منه صدى إحساسه ودفء قلبه. الشعر بكل لغاته، لغة الحب، والإنسانية، لغة تتحاور معك بكل التفاصيل اليومية، هي ملاذ لكاتبه في وقت لا تعرف بدايته أونهايته، فقط ما تقول لك روحك لتكتبه وتنشده. الشعر الفصيح له وزنه وميثاقه،
في الأسبوع الماضي، كنت بين الحضور في جلسة لقراءة سيرة شاعرة، وضمن جلسات مهرجان طيران الإمارات للآداب، بين حكاياها وصوتها المنقول في شعرها أنصتنا بهدوء وقلوبنا هي من تتحاور مع من في تلك الجلسة، جلسة أدارها الأستاذ فهد المعمري مع قامات مهمة ثقافية وإعلامية، الدكتورة رفيعة غباش والدكتورة حصة لوتاه. تلك الجلسة التي تسللت لدواخلنا منذ أن قيل فيها بدأت الشاعرة «فتاة العرب» عوشة بنت خليفة السويدي تعلم الأبجدية بالنقل، كانت تحاكي حروف والدها على الجدران بـ «الفحم»، كيف أن الشغف حركها حين كانت طفلة وأسرها، تلك الحروف في مختلف أشكالها وزواياها، ندرك كيف تلتبسنا دونما مقاومة أو إدراك في لحظتها.
كانت قصصهم عن «عوشة» جميلة حد البكاء، حد القول «ليتها تتحدث الآن إلينا»، كثيرة هي الأجيال التي عاصرت أوج شعرها، وتلك القصائد التي كانت تتردد بينها وبين صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ونحن أطفال نتساءل: من هي هذه الشاعرة التي لها في المجتمع صدى جميل. عوشة بكل تفاصيلها التي كنا نعرفها وبدأنا الآن أكثر بالتعرف إليها من ديوان «فتاة العرب» والذي عملت عليه في صبر الدكتورة رفيعة في يقين منها أن هذه الشاعرة يجب أن توثق. قليل من يؤمن بحقيقة التدوين والتوثيق. وإن بعض الأحداث المرتبطة بأشخاص ما هي إلا جزء من التاريخ الذي يجب ألا نخسره. كنا ننصت وكأن القصص هي تأتي لتلتبسنا، تخرجنا من زاوية ضيقة لتعطي لنا مفاهيم جديدة. يبقى الحاجز الذي لربما يجعلنا نتردد هو حاجز لغة الشعر النبطي ما إن ينفك حتى نشعر بجمال أخاذ آسر بين السطور.
في قصص «عوشة»، علم، صبر، قراءة، وحقيقة أن العلم لا يقوى ولا ينتقل إلا بالدراسة، وأن الموهبة هي نعمة من الله والقريحة تجود وتقوى بالعلم والتعرف والمعرفة، كانت هي وكما أ ُخبِرنا صاحبة مكتبة فيها أمهات الكتب، تقرأ وتقرأ، حتى ختمت حياتها في عام 2019، بعزلة نفس مع الله.
رحلت وبقي إرثها، فشكراً وتقديراً لمن تعب وبحث وأصر وصبر وكتب، شكراً لتلك النفس التي حين تكلمت عنها أبكتنا لأنها قالت ما بين السطور والأعمار.

mar_alblooshi@hotmail.com