«تعقيد» يريد حلاًّ

10-03-2019
جمال الدويري

في الحديث عن نقد الخدمات، ينصبّ الاهتمام على القطاع الحكومي؛ لأن الذهنية تتطلع إلى هذا القطاع، بأنه المزود الأول للخدمات؛ ولكن هل نظر أحد إلى القطاع الخاص، وعرف حجم «البيروقراطية» والترهّل اللذين تعانيهما بعض مؤسساته.
خدمات القطاع الخاص، أهمّ بكثير من خدمات الحكومة، فالمرء ليس بحاجة كل يوم إلى أن يراجع دائرة حكومية لإنجاز معاملة، لكنه حتماً على تماسّ يومي مع «الخاص»، الذي طالما تغنينا به وطالبنا بتعهيد الخدمات إليه، لعله يقدمها بطريقة أفضل.
ولكن للأسف، ما زالت الحكومة الأكفأ في تقديم الخدمة، والأكثر مرونة، (رغم البطء في بعض الدوائر)، إلا أننا نتفهم أي إجراء له علاقة بالتدرج الوظيفي والتسلسل الزمني للمعاملة، المقدمة لدى الحكومة، ولكن لا نفهم أن يخلق القطاع الخاص العراقيل، و«التطويل» غير المبرر للمعاملات، ناهيكم بتعداد المراجعات.
الأمثلة هنا تشمل أكثر من قطاع، ولا يمكن حصرها تحت «بند»، فليس هناك ما يجمع خدمات القطاع الخاص، ففي البنوك، على سبيل المثال، يعاني بعضنا طول إجراءات موافقات وتكدّس أوراق ليس لها أول ولا آخر، لإتمام معاملة، وبعضها -للأسف - ما زال يتعامل بالخدمات الورقية، فلا يقبل أن تقدم له خدمة عبر موقعه، أو بوساطة خدمة الهاتف، فيطلب منك زيارته لتقديم طلب أو تخليص معاملة، وما يتبعها من إجراءات للانتظار في الدور ومعاودة الزيارات.
ومن أمثلة القطاع الخاص، فإن أكثر ما يعانيه الناس، قضية الإيجار وتوقيع العقد أو إلغائه، وتفنن ملاك البنايات في تعقيد كل إجراء أو خطوة، وتبدأ العملية بإفراغ العقار وتسليم المفتاح، فيطلب منك، إبراء ذمة من البلدية، فتحضره له، فإبراء ذمة آخر من الكهرباء والماء، فتحضره له.
بعد هاتين الخطوتين، اللتين لا بدّ منهما، يطلب من مكتب البناية، مراجعته بعد أسبوع لفحص محتويات الشقة، حتى لا تكون قد «سرقت» باباً أو مغسلة، فيخاطبك بعد أسبوع لضرورة مراجعته؛ لإبلاغك بأنه قد تقرر تغريمك مبلغاً «وقدره».. نظير الأضرار التي وجدها في الشقة، وبعد التوقيع على سند الأضرار يطلب منك مراجعته بعد أسبوع لتسليمك «شيكاً» بما تبقى لك من مبلغ الضمان الذي أودعته لديه عند تأجير الشقة.
وفي الحديث عن «الخاص» فإن الحديث عن المستشفيات ذو شجون، فبدءاً من الاتصال الذي يهلكك «المجيب الآلي»، فضلاً عن تعقيدات موافقات التأمين، وهذا قطاع خاص آخر، وإبقاؤك في «ركن المنتظرين»، ساعات أو أياماً، حتى يوافق على علاجك، ناهيك عن حوار «الطرشان» بين الطبيب الذي لا يتكلم العربي، والمريض الذي لا يتكلم الإنجليزي، وغالباً ما يتم التشخيص بلغة الإشارة.
كل هذه الإجراءات أصبحت «مملة»، وبعضها مفتعل يخضع لعقلية عقيمة في إدارة أي شيء، ولا حلول في الأفق ما دام لا يراقب أحدٌ القطاعَ الخاص أو يملك السلطة عليه.

jamal;@daralkhaleej.ae