هوس العلامات

10-03-2019

ابن الديرة


التفوّق طموح يسعى إليه المجتهدون والمثابرون، وطلّاب التميّز، وهو أمرٌ يبعث في نفس صاحبه البهجة والحبور، ويضفي على المحيطين به من الأهل وذوي القربى والأصدقاء والزملاء، مشاعر مملوءة بالسعادة.

ومحققو التفوق، والساعون إليه، ذوو قدرات متفاوتة، فمنهم، من يتمتّع بذكاء فطريّ تزيد نسبته، فيعمل على تنميته وتوظيفه بالشكل الأمثل، ومنهم قد تكون إمكاناته الذكائية، أقلّ، فيكون مجهوده أكبر، لكن كليهما ينال التفوّق بدرجات متفاوتة أيضاً.

وهناك ذوو قدرات ذكائية أقل، لكنّهم مجتهدون ويسعون ويحاولون، قد لا يتفوّقون ويتميزون، لكنّهم ينجحون.

المشكلة التي يواجهها هؤلاء جميعاً، متشعّبة ومعقّدة، فأولئك المتميّزون والمتفوّقون، الذين ينالون درجات عليا، وقد تكون كاملة، يحظون بالتكريم والثناء، والتنويه والإشادة، وإقامة الحفلات، وتقديم الهدايا، والتقاط الصور...كل ذلك مقبول وضروري أحياناً، فإثابة المتفوّق ومكافأته وشكره، تشجيع وتحفيز له ولغيره. لكن في الوقت نفسه، هذا الذي بذل الجهد واجتهد وسعى، لكنه لم يحصّل الدرجات العليا، بل اجتاز امتحاناته، ونجح، هل يكون ثوابه الإهمال والنكران؟

قد يدخل كلا الناجحَيْن المتفوّق والعادي في وظيفة واحدة، ويمكن أن يكون الأخير، أكثر إنتاجاً وأكثر نجاحاً وتميّزاً في عمله، وأكثر انسجاماً مع الزملاء، وأكثر تفاعلاً مع المراجعين؛ إذن ماذا كان تأثير قلة علاماته، في حياته العملية؟

الكلام موجّه هنا إلى الأهل، المتابعة والمراقبة والاطّلاع على أدق تفاصيل حياة أبنائكم الدراسية، أمور طبيعية، بل ضرورية، حتى تكونوا جزءاً من العملية التعليمية والتربوية، فهي قاعدة بثلاث ركائز، هي المدرسة والطالب ووليّ الأمر، لا يُبنى عليها، إلّا بوجودها معاً، فإذا سقطت ركيزة، سقطت القاعدة، ولكنّ هوس العلامات الكاملة، أو القريبة منها، أمور قد تفعل العكس تماماً، إذ يمكن أن تنفّر بعض الطلاب من الدراسة، أو تجبرهم على سلوكات سلبية، كمحاولات الغشّ في الامتحان، بإخفاء ورقات مكتوب عليها، إجابات متوقَّعة، أو الاستعانة ب«صديق» مجاور في المقعد، أو اللجوء إلى معلّمين ضعاف النفوس، ورشوتهم، أو استمالة عواطفهم على الأقل، بالإشارة إلى دروس معيّنة، أو فقرات محددة، أو في أقل الأمور سوءاً، اللجوء إلى المدرّس الخاص الذي يرهق الطالب، ويرهق جيوب ذويه؛ وهذه كلها، قد تعطي علامات جيدة، لكنها لا تعطي طالباً جيداً، ولا كائناً إيجابياً في المستقبل.

كل إنسان يمتلك قدرات علينا اكتشافها، مبكراً، ثم تشجيعها وتنميتها، وخلق البيئة المناسبة لذلك، وإشاعة جوّ من المحبة والبهجة، فمن لا يفلح في العلم قد يفلح في الفن، بأنواعه الموسيقى أو الرسم أو الغناء أو التمثيل، أو في الرياضة، أو في الطبخ، أو.. علينا التشجيع والتحفيز، وشحذ الهمم.

العلامات ليست نهاية الكون، وليست أعلى الطموحات، وأبعدوها عن أن تكون هوساً. وجّهوا أبناءكم وعلّموهم وأحبّوهم كما هم.

ebnaldeera@gmail.com