كثر الكلام وقل الفعل

10-03-2019
علي قباجه

أوجز الشاعر ابن المقري عندما ابتدأ مطلع قصيدته: «زيادة القول تحكي النّقص في العمل»، في حين اشتهر بين الناس المثل القائل: «من كثر كلامه قل احترامه»، ولطالما اعتبر البشر على مختلف مشاربهم أن كثرة الحديث تجلب معها السقطات ويُضمَر الفعل، بينما حثت الشرائع كافة، على تغليب العمل على الكلام، ودعت إلى الاجتهاد لتحقيق المردود، والسعي في مناكب الأرض وإعمارها، ودعت للعلم، وبناء صروح الكرامة والعزة، ولم يُعهد أن ثقافة نابعة من حضارة قبلت الاستسلام.
وبإسقاط ما قيل على واقعنا العربي، نرى أن جل العرب انسلخوا عن تحقيق أسباب القوة والمنعة، وتنكروا للعمل الذي هو قوام أي كيان وحضارة، ونبذوا بمعظمهم العلم، وركنوا على ترديد العبارات الرنانة العاطفية، التي لا تسمن ولا تغني من جوع. بل يمكن وصفهم بأنهم أمة البيانات والخطب، فكثر اللغو على حساب البناء، وانتشرت المؤتمرات والندوات التي خرجت بنتائج صفرية؛ إذ إنها افتقرت بمعظمها لأي خطط فعالة للنهوض، ومكافحة الفساد، ومعاقبة المنتفعين، ودحر الإرهاب في كل مكان، وفي مقدمته الإرهاب «الإسرائيلي».
ولم يجبر التنديد والعويل «إسرائيل» عن وقف جبروتها في الأراضي المحتلة، وعن تدنيس كل ما هو مقدس؛ حيث سفكت الدماء، وانتهكت كل المحرمات، وصالت بطول البلاد وعرضها، غير آبهة ولا مرتدعة، ووصلت إلى قمة غيّها عندما أدركت أنه لا محاسب ولا رقيب عليها، وذلك دفعها، إلى التطاول وإهانة العرب بأعز ما يملكون، وهو المسجد الأقصى، الذي يعني تهويده مساساً بعقيدة المسلمين، فهو معراج النبي الكريم وإليه أسري، وهو أولى القبلتين وثالث الحرمين. ومع حجم هذا الصلف فإنه لا خطط ولا خطوات حقيقية سعت لمعاقبة «إسرائيل» على ما تقترفه، وأقصى عمل يتم لمواجهة ذلك، هو بيان استنكار يتلى في نشرات الأخبار!
لا يمكن أن يوجد حل، وأن تُنفذ مبادرات على أرض الواقع، حتى يدرك الاحتلال أن ثمة من يستطيع توجيه ضربات موجعة له، ويواجه تنكيله بعقوبات وخيمة، فالأساليب الناعمة جداً المتبعة منذ عقود في التعاطي مع الاحتلال، لم تقنعه بالعودة ولو عن جزء يسير مما احتله وسلبه، فالأحزاب «الإسرائيلية» اليوم كلها ترفض منح الفلسطينيين أي شيء، في حين أنهم يتسابقون من يسارهم إلى يمينهم على استخدام الدم الفلسطيني في دعاياتهم الانتخابية. وجرأتهم هذه جاءت بعدما رأوا أن العرب مجرد دول متناحرة منهكة، لا تستطيع المواجهة في أي محفل إلاّ بالكلام.
أما على صعيد السلطة الفلسطينية، فإن صوتها بحّ في إدانة الاحتلال، ولكنها متمسكة بالتنسيق معه رغم إعلانها مراراً وقفه، وما زالت تركن إلى حلول وسط مع «إسرائيل»، وتطمح بالفتات، ورغم هذا لم تحصل على شيء، بل إنها أيضاً تواجه المزيد من استخفاف الاحتلال بها، وآخرها مصادرة أموال الضرائب، في حين أنها لم تواجه هذا الاستهداف بقوة واقتدار، ولم تدفع بكل طاقتها لفضح الكيان وإجرامه، وما زالت مرتبكة على الصعيد المحلي والدولي في التعامل مع الأزمات.. فهل يتجه العرب والفلسطينيون إلى تغليب الأفعال على الأقوال في مواجهة المحتل؟

aliqabajah@gmail.com